12/23/2011

صدوق: هناك مقاولون يدفعون الرشوة لأن المنطق الاقتصادي يرغمهم على مسايرة هذا الابتزاز

طالب عبد الصمد صدوق، رئيس لجنة الأخلاقيات بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، بإحداث هيئة مستقلة لتلقي الطعون في مجال الصفقات العمومية، إذ توجد حاليا لجنة فقط تابعة للأمانة العامة للحكومة يحكمها مرسوم يرجع إلى سنة 1975، وقال صدوق في حوار مع «المساء»، إنه أصبح من الضروري توسيع مجال اشتغال الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، بعد 3 سنوات من تأسيسها، موضحا أن هناك جهات وأفرادا يستفيدون من وضع معين لتفشي الفساد.
- ما هي قراءتكم للتقرير الأخير حول مؤشر مكافحة الفساد لسنة 2011؟ 
المغرب الآن في المرتبة 80 على 183 دولة، بنقطة 3.4، والعام الماضي كنا في النقطة 3.3، ومن المستغرب أن هناك جهات تعتبر بأن المغرب تقدم في مجال محاربة الرشوة، فنحن لا زلنا في نفس الموقع منذ 8 سنوات، فالنقط المحصل عليها منذ ذلك الحين تتراوح ما بين 3.3 و 3.5 نقطة، أي أننا نراوح مكاننا ولا نتقدم، وأريد أن أشير هنا إلى أننا إذا قارنا المغرب مع مجموعة من الدول، فإن المغرب متأخر عن 6 إلى 7 دول عربية من ضمنهم دول الخليج والأردن وتونس، بل حتى بإفريقيا لا زلنا متأخرين عن دولة مثل «بوتسوانا» والتي تعتبر دولة في طريق النمو بوسط القارة السمراء، حيث استطاعت انتزاع 6 نقط خلال 2011 وهي الآن في المرتبة 32، وهناك كذلك دولة «رواندا» التي عاشت سنوات عصيبة من الاقتتال وعدم الاستقرار خلال فترة التسعينيات، وهي الآن في المرتبة 49 بنقطة 5، ودولة «الرأس الأخضر» قبالة سواحل السينغال استحقت هذه السنة الرتبة 41 و 5.5 من النقط.

- هذا يدل على أن الفقر وعدم الاستقرار ليسا مرتبطين بتفشي الرشوة؟
  الأكيد هو أن انتشار آفة الرشوة والفساد يؤدي إلى الفقر والتخلف الاقتصادي، وربما إلى عدم الاستقرار، وهذا لا يعني أن الدول التي هي في طريق النمو ليست لها القدرة على مواجهة هذه الظاهرة، بل هناك حالات لدول استطاعت المضي قدما في هذا المجال، ويمكن القول إن مؤشر إدراك الرشوة يحدد لنا كيف هي نظرة الفاعلين الاقتصاديين في الدول الأجنبية لبلدنا، مثل المؤسسات والوكالات المالية العالمية، أي أن هذا المؤشر لا يعتمد على معايير دقيقة اقتصادية أو مالية، بل يعتمد على تلك النظرة التي ينظر بها إلى المغرب في ما يخص محاربة الرشوة من طرف مؤسسات لها علاقات مالية واقتصادية مع بلادنا، وبالتالي فهو مؤشر له قيمته ويعكس واقعا معاشا.

- ما هو السبب في هذا الترتيب المتأخر للمغرب؟
 أعتقد أن عدم تفعيل مجموعة من الإجراءات المعلن عنها منذ 2005، بالقدر اللازم من الصرامة، هو ما يجعل النتائج المحصل عليها في هذا المجال جد متواضعة، ونستخلص من خلال عدة سنوات جرب فيها المغرب إحداث مؤسسات متعددة لمحاربة الرشوة، أن وضعها القانوني لا يسمح لها بتنفيذ أهدافها المسطرة، وأعني أساسا الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، فبعد 3 سنوات من تأسيسها، يتبين الآن أنه أصبح من الضروري توسيع مجال اشتغال الهيئة ومجالات اختصاصها.

- لكن البلاغ الحكومي أكد أن المغرب تقدم في هذا المجال؟
  أستغرب أن تجد الحكومة في التقرير الأخير تقدما كبيرا، صحيح أن هناك إجراءات ومقتضيات جديدة جد مهمة جاء بها الدستور الجديد حول الحكامة الجيدة وتضارب المصالح...إلخ، كما أن هناك مجموعة من مقترحات الأحزاب السياسية خلال مشاركتها في الحملة الانتخابية الأخيرة، ومن بينها الأحزاب التي ستشارك في الحكومة المقبلة، لكن كل هذه التدابير لن تظهر نتائجها على أرض الواقع إلا مستقبلا، أي يجب أن ننتظر كيف سيتم تفعيل وتنزيل هذه المقتضيات الجديدة.

- هل يمكن القول إن هناك لوبيات ضد تفعيل مثل هذه المقتضيات والقوانين؟
  أولا الدستور الجديد جاء بمقتضيات جديدة، مثل خلق مؤسسة للنزاهة التي ستعوض الهيئة الحالية للوقاية من الرشوة، ومن بينها كذلك توسيع صلاحيات مجلس المنافسة، لكن هذه الأمور كلها لن تتبين مدى فعاليتها إلا بعد أن تفعل على أرض الواقع، وبالتالي يجب أن نؤجل الحكم على ذلك إلى حين التطبيق الفعلي لهذه المقتضيات، طبعا ستكون هناك مقاومة، وهذا الأمر نجده في جميع البلدان، حيث هناك جهات وأفراد يستفيدون من وضع معين لتفشي الفساد، ومن الطبيعي أنهم سيقاومون، وأعتقد أنه من مسؤولية الجميع محاربة هذه الظاهرة، وفي مقدمتهم الدولة وكذلك الفاعلون الاقتصاديون، والمجتمع المدني، أي أن هناك عملا مشتركا وتفاعلا بين جميع مكونات المجتمع من أجل محاربة آفة الرشوة، لكن كل ذلك لا يقلل ولا يلغي مسؤولية الدولة بأجهزتها الحكومية والبرلمانية والأجهزة الرقابية الأخرى التي تتوفر عليها.

- هل يؤثر هذا التصنيف على الاستثمارات الخارجية؟
  يجب التذكير أن هناك ترتيبا آخر لا يسلط عليه الضوء كثيرا، ويتعلق الأمر بالترتيب حول تنافسية الدول الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي رتب المغرب هذه السنة في الدرجة 73 من ضمن 142 دولة، وهذا المنتدى هو هيئة محترمة عالميا، حيث تدرس حالة كل دولة والمسببات الأساسية التي تحول دون استقبال استثمارات خارجية، وبالنسبة للمغرب، ومن ضمن 15 سببا تحددها الهيئة التي تصدر التقرير، تأتي الرشوة  كسبب رئيسي ثان يحول دون استقطاب استثمارات ببلادنا، بعد السبب الأول والمحدد في عراقيل الوصول إلى التمويلات، أي أن هناك تأثيرا مباشرا لتفشي الرشوة وجلب الاستثمارات جديدة للمغرب، وهذه مسألة لا تناقش، وهناك مؤشر آخر صدر وهو تقرير ممارسة أنشطة الأعمال أو ما يعرف بـ«دوينغ بيزنس»، والذي يقوم بتحليل الإجراءات الحكومية المطبقة على مناخ الأعمال في أحد البلدان أثناء مختلف مراحل عملها، ومنها بدء النشاط التجاري وتأسيس الشركات، والتجارة عبر الحدود، ودفع الضرائب، وتسوية حالات الإعسار، وهذا المؤشر ليست له علاقة بالفساد والرشوة، وقد كنا في الرتبة 114 سنة 2010، وهذه السنة تقدمنا بـ21 نقطة وارتقينا إلى الرتبة 94، ورغم هذه الرتبة فإننا لا زلنا متأخرين.

 - وماذا عن ورش إصلاح العدالة؟
  بالتأكيد، فجميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين وحتى المواطن العادي يلاحظ بأن هناك ضرورة ملحة لإصلاح القضاء، وربما الدولة تضع هذا الورش من ضمن أولوياتها، حيث سجلت لجنة الأخلاقيات بالاتحاد العام لمقاولات المغرب بارتياح مؤخرا، إحداث أقسام متخصصة في الجرائم المالية ببعض محاكم الاستئناف، حيث تم إشراكنا كاتحاد للمقاولات في الدورة التكوينية مع القضاة، وشاركت شخصيا بعرض حول الصفقات العمومية، وبالتالي فهناك مؤشرات إيجابية تدعو للتفاؤل مستقبلا.

- هناك فساد كبير فيما يخص الصفقات العمومية، مارأيك؟
  يجب التأكيد أولا على الوزن الاقتصادي الكبير للصفقات العمومية، إذ تستحوذ على نسبة 19 في المائة من الناتج الداخلي الخام، أي حوالي 120 مليار درهم، حيث ترتبط أنشطة مجموعة من المقاولات بهذه الصفقات العمومية، مثل المقاولات النشيطة في قطاع البناء والأشغال العمومية حيث 80 في المائة من رقم معاملات القطاع يتم تحقيقه من هذه الصفقات، وحاليا فآخر نص قانوني صادر يرجع إلى سنة 2007، ويحتوي على مجموعة من النواقص أشرنا إليها كاتحاد عام لمقاولات المغرب، عبر عدة مراسلات موجهة للحكومة، ونبهنا إلى أن الإدارة لها سلطة تقديرية كبيرة بالنسبة لصياغة دفتر التحملات، وكذا تحديد معايير الاختيار، وهناك ملاحظة أخرى تخص عدم تواجد هيئة مستقلة لتلقي الطعون، حيث نطالب بإحداثها، إذ أنه حاليا توجد فقط لجنة للصفقات العمومية تابعة للأمانة العامة للحكومة يحكمها مرسوم يرجع إلى سنة 1975، والذي لا يعطي الحق للمقاولات كي تتصل مباشرة بهذه اللجنة، بالإضافة إلى أنها لا تتوفر على صفة تقريرية بل فقط استشارية، ونطالب بالتالي بتأسيس هيئة مستقلة يتمثل داخلها كل من القطاع الخاص والمجتمع المدني وذلك من أجل تلقي الطعون فيما يخص تمرير الصفقات العمومية وتنفيذها، لأن ما يقع في تنفيذ هذه الصفقات هو أعظم مصيبة من التمرير، هذا فيما يخص النصوص، لكن الإشكالية الكبرى التي نعيشها هي تفعيل القوانين وأجرأتها على أرض الواقع، كإخراج دليل مبسط للمقاولات الصغرى والمتوسطة، تشرح كيفية ولوج هذه المقاولات للاستفادة من الصفقات العمومية، وكذا التكوين المستمر...إلخ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحاد العام راسل عدة هيئات حكومية في هذا الشأن، لكن مع الأسف لم تتم الاستجابة لحد الآن لمطالبنا، وننتظر نصا قانونيا جديدا سيصدر قريبا حول تمرير الصفقات العمومية.

- ألا ترى أن هناك تقصيرا في التوعية بهذه الآفة لدى الجمهور الواسع؟
  التوعية مهمة وأساسية، لكن التوعية إذا كانت غير مرتبطة بعمل ميداني على أرض الواقع، فإن ذلك يمكن له أن ينعكس سلبا على المتلقي، ولقد جربنا ذلك في المغرب خلال بداية العقد الأول من هذه الألفية، ففي سنة 2001 و 2002، عندما تأسست لجنة تخليق الحياة العامة، والتي أثمرت عن إنتاج وبث وصلات إشهارية لمحاربة الفساد والرشوة، لكن المواطن أصبح لا يثق في كل ما يشاهده، لأنه يرى على أرض الواقع أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات مثلا لا تستكمل مجراها الطبيعي، بل يرى بأنها مجرد تقارير تبقى حبرا على ورق ولا تتم أجرأتها ومحاكمة المتورطين والمفسدين، فالتوعية لن تنجح إلا بموازاة عمل جريء للدولة في محاربة هذه الآفة.

- لماذا في نظرك لا تتم متابعة المفسدين الذين تذكر أسماؤهم مثلا في تقرير المجلس الأعلى للحسابات؟
  هذا السؤال يجب أن يطرح على الدولة ومسؤوليها، لكننا نرى أنه يجب تفعيل ما جاء في التقارير الثلاثة التي نشرها المجلس في السنين الأخيرة.

- متى تأسست لجنة الأخلاقيات بالاتحاد العام؟
  تاريخيا هذه اللجنة تأسست سنة 1998، أي بعد سنة من حملة التطهير المعروفة، حيث فهم القطاع الخاص آنذاك، أن الفساد والرشوة يمكن أن يستعملا كسلاح ضده، وحملت اسم «لجنة محاربة الرشوة» من سنة 2006 إلى 2009 من أجل التركيز على هذه الآفة، ثم سميت فيما بعد بـ«لجنة الأخلاقيات»، وعملت هذه الأخيرة على عدة جبهات منها الحكامة داخل المقاولات، وتهدف اللجنة إلى العمل من أجل الرفع من الحكامة والتدبير الجيد داخل مقاولاتنا، والعمل جنبا إلى جنب مع الدولة، حيث أطلقنا الموقع الإلكتروني «stopcorruption.ma» بتعاون مع الوكالة الوطنية لإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة، والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، والذي يتلقى شكايات من المقاولات الصغرى أساسا فيما يخص الفساد والرشوة، وهناك مجموعة من المبادرات التي نشترك فيها مع الدولة وشركاء آخرين لمحاربة هذه الآفة.
ما هي الصعوبات التي تقابلها اللجنة في تحقيق أهدافها؟
  يجب الإشارة إلى أن هناك انخراطا جماعيا لكل الجمعيات والفيدراليات التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، من أجل محاربة الرشوة والفساد، وهناك برامج عمل وخطابات تسير في هذا الاتجاه، وهناك فيدراليات منخرطة في هذا الورش، مثل فيدرالية البناء والأشغال العمومية، لكن الإشكالية التي تطرح هي كيفية الانتقال من الانخراط الجماعي إلى انخراط كل فرد على حدة، أي كل شركة وكل فرد داخل هذه المنظومة، من أجل أن تقوم كل مقاولة بهذا العمل، وبالنسبة للاتحاد العام نفرق بين نوعين من الرشوة، هناك رشوة تعاقدية بين المقاول والإدارة، حيث يتعاقد المقاول على أمور ليس له الحق فيها، وبالتالي يجب أن يكون القانون صارما في هذا المجال، وهناك نوع آخر من الرشوة، وهو الأكثر شيوعا وتعاني منه المقاولة بشكل كبير ألا وهو الابتزاز، والأمثال كثيرة على ذلك منها ابتزاز المسؤول بالإدارة لتسليم ورقة إدارية للمقاول من أجل الترخيص لمشروع معين، مع الأسف هناك مقاولون يدفعون الرشوة، لأنهم يقولون إن المنطق الاقتصادي الحالي يرغم المقاول على مسايرة هذا الابتزاز وإلا فإن مشروعه لن يرى النور.

- كيف ترون تعاملكم كلجنة مع الحكومة المرتقبة؟
  فلسفة عملنا سواء داخل اللجنة أو بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، هو العمل بشراكة مع الدولة والحكومة، في مجموعة من الأوراش التي تخص آفة الرشوة والفساد بصفة عامة، ونحن مستعدون في أي وقت من أجل العمل مع من يمد إلينا يده لمحاربة الفساد بكل أنواعه.

- وماذا عن الآفاق المستقبلية؟
  كلنا الآن في منعطف، هناك إصلاحات جاء بها الدستور، وهناك حكومة جديدة تضع محاربة الفساد ضمن أولوياتها، سننتظر لنرى، وأنا شخصيا متفائل بأن الحكامة والشفافية بالمغرب سيكون لها مستقبل.

رفعت شعارات قوية  ضد  الفساد من طرف المحتجين الذين خرجوا في عدة مناطق من المغرب   ما هو رأيك في البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية فيما يخص محاربة الرشوة والفساد؟
  بالنسبة لمحور محاربة الفساد والرشوة، يمكن القول إن هذه السنة بالضبط رفعت شعارات قوية من طرف المحتجين الذين خرجوا في عدة مناطق من المغرب، وكان هذا المحور في صميم احتجاجاتهم، ثم كذلك كانت في صميم الإصلاحات التي عرفتها المملكة مؤخرا، ابتداء من الدستور الجديد ثم برامج الأحزاب خلال حملتهم الانتخابية، وكنا كاتحاد عام لمقاولات المغرب قد استقبلنا الهيئات الخمس الرئيسية وهي حزب العدالة والتنمية و«جي 8» وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الاتحاد الاشتراكي، حيث عرضت برامجها أمام رؤساء المقاولات، وركزت كل الأحزاب آنذاك على هذا المحور، أي الحكامة الجيدة والنزاهة، ويمكن القول إن حزب العدالة والتنمية ركز أكثر من غيره على هذه النقط، ووضع محاربة الفساد في صميم برنامجه الانتخابي، وسوف نرى، حيث إن هناك الكثير من الأمور التي يجب أن تقوم بها الحكومة المقبلة للدفع بالشفافية ومحاربة الرشوة إلى الأمام، مثل مجال الصفقات العمومية، ومجال تضارب المصالح، وتبسيط المساطر وتفعيل آليات الرقابة التي تتوفر عليها الدولة، أي أن هناك مجموعة مجالات يمكن للحكومة الجديدة البدء بها، وسنرى التصريح الحكومي المقبل الذي سيعطينا تصورا عاما عما تنوي الحكومة المقبلة القيام به، ومن ثم سنحكم على هذه النوايا.

- بخصوص الانتخابات، نرى أن جل الأحزاب تقول بضرورة محاربة آفة الرشوة، لكن خلال الحملة الانتخابية كانت هناك خروقات بالجملة، هل يمكن القول إن هناك تناقضا بين الخطاب والفعل، وإن هناك ثقافة لـ«الرشوة» سائدة بالمجتمع؟
> بالفعل هناك خطابات كثيرة حاليا عن الشفافية ومحاربة الرشوة..إلخ لم تكن موجودة قبل عقدين من الزمن، حيث أصبحت جميع التيارات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تتبنى أفكار المجتمع المدني لأواسط التسعينيات، وتنادي بالحكامة الجيدة ومحاربة الفساد والرشوة، لكن الذي يميز هذا عن ذاك هو الممارسة، وأنا لا أومن بأن هناك ثقافة سائدة في المجتمع هي التي تحول دون محاربة الرشوة، أي أننا محكوم علينا أن نبقى في مكاننا، أنا أقول العكس، ليست هناك جذور تاريخية لذلك، الواقع أن هناك نوعية من الحكامة التي تمارس وسياسات معينة أدت إلى ما نحن فيه، ولقد لاحظنا كيف لدول مثل «رواندا» و»بوتسوانا»، تعتبر أكثر تقدما منا فيما يخص محاربة الرشوة، فأين الثقافة في كل ذلك؟ وكذلك لا أشاطر رأي بعض الباحثين الاجتماعيين الذين يجزمون بأن هناك جذورا تاريخية لآفة الرشوة داخل المجتمع، بل أقول إن هناك ميكانيزمات وآليات يجب التقيد بها للخروج من هذه الآفة، وتؤدي إلى الشفافية ونزاهة أكثر، وكذلك استعمال التكنولوجيات الحديثة يساعد على قطع الطريق على ذلك الموظف المرتشي، مثلا، وبين المواطن العادي الذي يرغب في سحب وثيقة إدارية معينة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"