2/24/2014

الشكايات والتظلمات في ظل المادة 169 من مرسوم الصفقات العمومية الجديد

مقدمة:
تعتبر الصفقات العمومية من أهم الوسائل القانونية التي تستعملها الإدارة العمومية لممارسة نشاطاتها، كما تعد وسيلة هامة لاستغلال وتسيير المال العام. ولما كانت الصفقات العمومية تعتمد في تمويلها على المال العام، فقد أحاطها المشرع بمجموعة من الضمانات والقواعد لإبرامها وتنفيذها حماية لهذا المال العام.

ولعل من بين أهم الضمانات التي تم إقرارها تتجلى في وضع نظام متكامل لفض النزاعات الناشئة عنها؛ سواء أكان ذلك في مرحلة إبرام الصفقة العمومية أو في مرحلة تنفيذها، وذلك تحسبا لظهور نزاعات تحدث عراقيل تحول دون إبرام الصفقات العمومية أو تنفيذها، ما ينعكس سلبا على المشاريع العمومية محل الصفقات، ويؤدي إلى تعطيل عجلة التنمية المراد تحقيقها، ما لم يتم تسوية هذه النزاعات.
في هذا الإطار، نص مرسوم الصفقات العمومية ل 5 فبراير 2007 والذي تم نسخه بمرسوم 20 مارس 2013 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 4 أبريل 2013 على طرق تسوية النزاعات الناشئة في مرحلة إبرام الصفقة العمومية أو مرحلة تنفيذها؛ تتمثل في طريقتين أساسيتين هما:
أولا: التسوية الودية لنزاعات الصفقات العمومية عن طريق المسطرة الإدارية والتي تتم عبر طريقتين: إحداهما داخلية أي أنها تتم داخل الإدارة وبين طرفي العقد، وثانيهما خارجية تتدخل فيها أطراف أخرى قصد التوصل بحلول قانونية وعملية للنزاع[1]، وفي هذا الصدد نجد لجنة الصفقات.
مساحة إعلانية : في حاجة إلى استشارة أو تكوين حول الصفقات العمومية، يمكنكم الإتصال ب "مركز الصفقات العمومية" على الهاتف 0666716600 أو على البريد الإلكتروني
ثانيا: التسوية القضائية لنزاعات الصفقات العمومية عن طريق القضاء.
ولعل ما يهمنا في هذا الموضوع هو تسوية منازعات الصفقات العمومية عن طريق المسطرة الإدارية التي تتم بين الإدارة والمتنافس، وهو ما تطرقت إليه المادة 169 من مرسوم الصفقات العمومية الجديد ل 20 مارس 2013.
فما هي أهم المقتضيات التي تضمنتها المادة 169 المتعلقة بالشكايات وتوقيف المسطرة؟ وما مآل شكايات المتنافسين في حال عدم استجابة الإدارة للشكاية واستمرار مسطرة إبرام الصفقة ؟ ثم ما هي أهم النواقص التي تعتري هذه المادة؟
لمعالجة هذه الإشكاليات، لابد من القيام بقراءة في المقتضيات المؤطرة لشكايات المتنافسين حسب المادة 169 (المبحث الأول) ثم نقوم بتقييم لمقتضيات هذه المادة بخصوص عدم الإستجابة للشكاية والاستمرار في المسطرة (المبحث الثاني).
المبحث الأول: الإجراءات المؤطرة لشكايات المتنافسين حسب مقتضيات المادة 169
يعتبر وضع مسطرة خاصة بشكايات المتنافسين من الضمانات ذات الأهمية البالغة، بالنظر لما توفره من تدعيم للرقابة الإدارية الداخلية على سير عملية المنافسة، من خلال تمكين صاحب المشروع أو الوزير المعني بتوقيف مسطرة إبرام الصفقة فورا لتصحيح الإخلال الذي لحقها عند الاقتضاء.[2]
في هذا الصدد تنص المادة 169 من مرسوم 20 مارس 2013 على أنه يجوز ﻟﻜﻞ ﻣﺘﻨﺎﻓﺲ أن ﻳﻘﺪم ﺷﻜﺎﻳﺘﻪ كتابة ﻟﺪى ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﻤﻌﻨﻲ إذا ﻻﺣﻆ أن إﺣﺪى ﻗﻮاﻋﺪ ﻣﺴﻄﺮة إﺑﺮام اﻟﺼﻔﻘﺎت اﻟﻤﻨﺼﻮص ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ هذا اﻟﻤﺮﺳﻮم ﻟﻢ ﺗﺤﺘﺮم؛ أو إذا ﺳﺠﻞ اﺣﺘﻮاء ﻣﻠﻒ ﻃﻠﺐ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت ﺗﻤﻴﻴﺰﻳﺔ أو ﺷﺮوط ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﺼﻔﻘﺔ؛ أو إذا كان ﻳﻨﺎزع ﻓﻲ أﺳﺒﺎب إﻗﺼﺎء ﻋﺮﺿﻪ ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﻠﺠﻨﺔ أو ﻟﺠﻨﺔ اﻟﻤﺒﺎراة واﻟﺘﻲ ﺗﻢ إبلاغه بها ﻣﻦ ﻃﺮف ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺸﺮوع.
وقد قيدت المادة 169 المتنافس بتقديم شكايته إلى صاحب المشروع ابتداء من تاريخ إعلان الدعوة إلى المنافسة وإلى غاية اليوم الخامس بعد تاريخ لصق الدعوة إلى المنافسة. في نفس السياق تم التنصيص على إخبار المتنافس المشتكي بجواب شكايته وذلك داخل أجل 5 أيام من توصله بالشكاية. نفس الأجل تم تحديده للمشتكي لرفع شكاية إلى الوزير المعني[3] أو إلى وزير الداخلية[4] أو إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة العمومية[5] في حال إذا لم يقتنع المشتكي بجواب صاحب المشروع. في هذه الحالة فإن الوزير أو المدير العام يكون أمام خيارين:
الخيار الأول: الأمر بإصلاح الخلل الذي أثيرت بشأنه الشكاية؛
الخيار الثاني: إلغاء المسطرة.
في هذه الحال الأخيرة، يمكن للوزير أو لرئيس مجلس إدارة المؤسسة العمومية وقبل اتخاذ قرار إﻟﻐﺎء اﻟﻤﺴﻄﺮة، أن ﻳﻘﺮر ﺗﻮﻗﻴﻒ ﻣﺴﻄﺮة ﻃﻠﺐ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻟﻤﺪة ﻋﺸﺮة (10) أﻳﺎم كحد أﻗﺼﻰ ﺷﺮﻳﻄﺔ أن:
·                       ﺗﻜﻮن اﻟﺸﻜﺎﻳﺔ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس وﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﺒﺮرات ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﺗﺒﻴﻦ أن اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺲ ﻗﺪ ﻳﺘﺤﻤﻞ ضررا إذا ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﺗﻮﻗﻴﻒ اﻟﻤﺴﻄﺮة؛
·                       ﻻ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻦ ﺗﻮﻗﻴﻒ اﻟﻤﺴﻄﺮة ﺿﺮر ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﺳﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺸﺮوع أو اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺴﻴﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ غير أنه ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻮزﻳﺮ اﻟﻤﻌﻨﻲ، ﻻﻋﺘﺒﺎرات استعجالية ﺗﻬﻢ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم، أن ﻳﻘﺮر ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﺴﻄﺮة إﺑﺮام اﻟﺼﻔﻘﺔ.
وقد أوجب المشرع بأن ﻳﻨﺺ كل ﻣﻘﺮر اﺗﺨﺬ ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻤﺎدة ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺒﺎب واﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ اﺗﺨﺎذﻩ. كما أنه ﻳﺠﺐ أن ﻳﻀﻤﻦ هذا اﻟﻤﻘﺮر ﻓﻲ ﻣﻠﻒ الصفقة.
غير أن المشرع استثنى بعض المقررات من أن تكون ﻣﻮﺿﻮع ﺷﻜﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺴﻴﻦ:
أ‌-                       اﺧﺘﻴﺎر ﻣﺴﻄﺮة إﺑﺮام ﺻﻔﻘﺔ؛
ب‌-                 ﻣﻘﺮر ﻟﺠﻨﺔ ﻃﻠﺐ اﻟﻌﺮوض أو ﻟﺠﻨﺔ اﻟﻤﺒﺎراة ﻋﺪم ﻗﺒﻮل ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺮوض؛
ت‌-                 ﻗﺮار اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ إﻟﻐﺎء ﻃﻠﺐ اﻟﻌﺮوض أو اﻟﻤﺒﺎراة ﺿﻤﻦ اﻟﺸﺮوط اﻟﻤﻘﺮرة.
المبحث الثاني: إشكالية عدم الاستجابة للشكاية والاستمرار في المسطرة:
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 169 من مرسوم 20 مارس 2013 نجدها تنص على العديد من الضمانات التي تم إقرارها لصالح المتنافسين باعتبار لتنافس الحر والنزيه أساس الصفقات العمومية انطلاقا من مسطرة إبرامها مرورا بتنفيذها وصولا إلى تصفيتها في جو من المشروعية وتحقيقا للهدف المتوخى منها.
ولعل مسطرة التظلم/التشكي التي أتت بها المادة 169 تضمنت عدة مقتضيات جاءت في صالح التنافسية وكضامن لحق الدفاع ورابط تواصلي بين الإدارة والأطراف المتداخلة في الصفقة.
وتتجلى أهم هذه الضمانات في:
·                       تعدد درجات التي يسلكها المشتكي أثناء ممارسة حقه في الدفاع عن مصالحه التي تضررت بفعل إخلال بالضوابط القانونية المنظمة للصفقات العمومية؛
·                       الآجال: قصيرة ومحددة بدقة؛
·                       إلزامية تعليل المقرارات الصادرة جوابا على الشكاية؛
·                       إلزام ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺸﺮوع بمسك سجل ﻟﺘﺘﺒﻊ اﻟﺸﻜﺎﻳﺎت واﻟﺬي ﺗﺴﺠﻞ ﻓﻴﻪ أﺳﻤﺎء اﻟﻤﺸﺘﻜﻴﻦ و ﺗﺎرﻳﺦ اﺳﺘﻼم كل ﺷﻜﺎﻳﺔ وﻣﻮﺿﻮع اﻟﺸﻜﺎﻳﺔ وكذا اﻟﻤﺂل اﻟﺬي ﺁﻟﺖ إﻟﻴﻪ.
غير أن هذه الضمانات تصطدم ببعض الثغرات القانونية والعملية والتي تنتج عنها عدة إشكالات، نجد من بينها: عدم استجابة الإدارة لشكاية المتنافس والاستمرار في المسطرة.
وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 169 نجد أن هذه الإشكالية تتخذ شكلين:
الشكل الأول: يتجلى في السلطة التقديرية الواسعة التي منحها المشرع للوزير المعني، إذ أن المشرع جعل من إيقاف المسطرة إجراء احترازي يجوز للوزير أو رئيس مجلس الإدارة اللجوء إليه، بل إن هذا الإجراء الاحترازي/ الاختياري جاء مقرونا بشروط:
·                   أن ﺗﻜﻮن اﻟﺸﻜﺎﻳﺔ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس وﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﺒﺮرات ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﺗﺒﻴﻦ أن اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺲ ﻗﺪ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺿﺮرا إذا ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﺗﻮﻗﻴﻒ اﻟﻤﺴﻄﺮة؛
·                   أﻻ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻦ ﺗﻮﻗﻴﻒ اﻟﻤﺴﻄﺮة ﺿﺮر ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﺳﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺸﺮوع أو اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺴﻴﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ؛
·                   ألا تتعدى مدة التوقيف 10 أيام.
كما أنه في حالة الاستعجال التي تهم الصالح العام للوزير أن ﻳﻘﺮر ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﺴﻄﺮة إﺑﺮام اﻟﺼﻔﻘﺔ.
وبالتالي فالسيد الوزير تكون له كامل الصلاحية في الاستجابة أو عدم الاستجابة لشكاية المتنافس، كما أن صلاحية اتخاذ تدبير إيقاف المسطرة للبث في شكاية المتنافس تبقى صلاحية مطلقة وغير مقيدة وإن كان بإمكان المتنافس المشتكي اللجوء إلى القضاء لكن بعد ماذا؟ بعد انتهاء المسطرة وإبرام الصفقة وضياع حق المتنافس في دخول غمار المنافسة من أجل الظفر بالصفقة !! فكما هو معلوم أن المسطرة القضائية تستغرق آجالا تطول وتطول لتصل إلى حد د تكون معه الصفقة قد أبرمت، بل وقد تم تنفيذها وتصفيتها أحيانا كثيرة.
الشكل الثاني: يتجلى في عدم اقتران مقتضيات المادة 169 بجزاءات في حالة عدم الاستجابة للشكاية والاستمرار في المسطرة، إذ بالرغم من كون المشرع أوجب على صاحب المشروع "إخبار"[6] المتنافس المشتكي بالجواب على شكايته، كما ألزم على الوزير الجواب على الشكاية داخل أجل 30 يوم، غير أننا نتساءل عن مدى إلزامية مصطلح "يجب على الوزير" الذي ضمنه المشرع في المادة 169 خاصة وأن هذه المادة لم تقترن بجزاء ولا بالأثر المترتب عن عدم الجواب. وبالتالي فالمتنافس لا يبقى أمامه من خيار سوى اللجوء إلى القضاء كما أسلفنا في الحالة السابقة.
لائحة المراجع:
v          العلمي هناء و أمين كوثر و العروسي الإدريسي الحسني، منازعات الصفقات العمومية على ضوء النص القانوني وواقع الاجتهاد القضائي المغربي، طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى 2010.
v          أمزيد الجيلالي، الحماية القانونية والقضائية للمنافسة في صفقات الدولة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، عدد 79.

 من إعداد : يوسف بلشهب حاصل على الماستر في قانون المنازعات العمومية بفاس




[1] - العلمي هناء و أمين كوثر و العروسي الإدريسي الحسني، منازعات الصفقات العمومية على ضوء النص القانوني وواقع الاجتهاد القضائي المغربي، طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى 2010، ص.54.
[2] - أمزيد الجيلالي، الحماية القانونية والقضائية للمنافسة في صفقات الدولة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، عدد 79، ص.48.
[3] - بالنسبة لصفقات الدولة.
[4] -  بالنسبة لصفقات الجماعات الترابية.
[5] - بالنسبة لصفقات المؤسسات العمومية.
[6] - نتساءل هنا حول المغزى من استخدام المشرع عبارة "يخبر" وما الدلالات التي توحي بها، خاصة وأن "الإخبار" هو مفهوم فضفاض بل ويخرج عن المصطلحات القانونية المضبوطة وذات الدلالات الواضحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"