10/12/2014

ما بعد التقرير السنوي الأخير للمجلس الأعلى للحسابات



ينبغي التشديد بادئ ذي بدء أن تقارير المجلس تصدر عن جهاز مستقل، يقف على نفس المسافة بين كل الجهات، لضمان الحيادية المبنية على معايير مهنية، ووفق مساطر قانونية ومعايير دولية.

لكن هذا المجلس لا يلعب في ملعب فارغ، ولا ينطلق من العدم الذي لا يلد إلا العدم ، إنما يشتغل في دولة ومؤسسات قائمة ونظام دستوري وسياسي وقانوني ضمن محددات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية مغربية - مغربية.


لكن الملاحظة الأم منذ سنتين الآن ، أن المجلس الأعلى للحسابات انتقل بنجاح باهر إلى لعب دور جديد استشرافي لإشاعة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على النتائج، وتقييم آثار صرف المال العام على المجتمع والتنمية ، كما هو الشأن في تقديمه لتقرير حول التقاعد” أو في تقريره الجديد حول المقاصة بطلب من البرلمان تفعيلا لمقتضيات الدستور الجديد ، والذي يتضمن حقائق مذهلة سيستفيد منها ولاشك صانع القرار السياسي .
ردود الأفعال حول التقرير السنوي

هناك اهتمام متزايد وعلى نطاق واسع بكل ما يصدرعن  المجلس الأعلى للحسابات ، وقد نشر المجلس في تقريره الأخير (2012) ملخصات لملاحظات وتوصيات بخصوص بعض الوزارات وبعض المؤسسات العمومية، إضافة إلى العديد العديد من الجماعات المحلية.
النشر المنهجي للتقرير السنوي يدل على إرادة حقيقية ملموسة في  تفعيل الرغبة المعبر عنها في الخطاب الرسمي للدولة وفي قمتها جلالة الملك، بخصوص ترسيخ قيم الشفافية والمحاسبة وتدعيم آليات مكافحة الفساد.

- اشتغال المجلس الأعلى للحسابات بشكل مثابر ومقدام، يجب أن يدفع الآخرين إلى القيام بالدور المنوط بهم. - المسؤولون عن الاختلالات  مكشوفون أمام الرأي العام، مما قد يدفع أصحاب الاختلالات المحتملين إلى مراجعة أساليب عملهم.

-
والمجلس الأعلى للحسابات ليس محكمة عدلية وليس مفتشية مالية وليس مكتب تدقيق على الطريقة الأنجلوسكسونية، ولكنه محكمة إدارية رقابية وتأديبية تأخذ من كل الأوصاف السابقة جزءا منها دون أن تتماثل معها أو تتماهى.

التقرير السنوي الجديد يجيب على ملاحظات سابقة

تتمثل أهم هذه الانتقادات في:
ـ عمومية الملاحظات الواردة في التقارير بحيث لا تسمى الأشياء بأسمائها وذلك من خلال التوضيح أن المجلس لا يستهدف من تقريره السنوي وتقاريره الأخرى الخاصة التي بدأ بنشرها أي عملية تصيد للعثرات الشخصية أو كشف الانحرافات الإجرامية على العموم قبل إحالتها على التحقيق القضائي للجهات المختصة سواء داخل المجلس إذا كانت المخالفات تأديبية مالية أو لدى القضاء الجنائي إذا كانت المخالفات إجرامية، أما ماهو منشور فهو الاختلالات وهي لا تقل خطورة عن المخالفات الشخصية ، ومعالجتها هي يتتبع تنفيذ التوصيات واخذ قرارات إدارية من اجل التصحيح والتصويب
 
وبخصوص عدم شمولية التقرير السنوي لجميع التقارير الخاصة بالأجهزة العمومية التي خضعت للرقابة، فهذا تقدير سيادي مستقل لجهاز الرقابة، حسب ما هو معمول به دوليا ، وبخصوص ملاحظة  اختلال التوازن بين ما هو منشور لحساب المجلس الأعلى للحسابات وما هو منشور لحساب المجالس الجهوية للحسابات. فقد لاحظنا التقرير السنوي الجديد افرد مساحة جد معتبرة للجماعات المحلية وانتقل من 30 إلى 60 تقرير ومن المنتظر أن يتزايد هذا الرقم في المستقبل،وذلك في أفق ترسيخ لامركزية الرقابة على المال العام تماشيا مع إعداد العدة للجهوية الموسعة

-
بخصوص ملاحظة عدم تحريك المسؤولية التأديبية المالية أمام المحاكم المالية، فهذا الموضوع أصبح في قلب اهتمام المجلس الأعلى للحسابات الآن، ما ينقص هو نشر الأحكام القضائية طبقا للدستور، وهذا الأمر الهام في طريقه للتنفيذ القريب، بعد التنصيص الصريح عليه في مشروع تعديل مدونة المحاكم المالية، وذلك  في أفق تأسيس قاعدة فقهية اجتهادية خاصة بقضاء المحاكم المالية؟

مواقف الخاضعين للرقابة:  ردود إيجابية من معظم المسؤولين الذين تعهدوا بإعادة النظر في تدبيرهم  بناء على ملاحظات التقرير - وردود سلبية علنية من مسؤول إداري واحد عن شركة عمومية، غير أن اللافت هذه المرة هو معاودة مسؤول سياسي معروف بكلام جارح سابق حول المجلس الأعلى للحسابات ، معاودته التشكيك في سلامة تطبيق المجلس الأعلى للحسابات لاختصاصاته بدون تقديم ما يسند هذا القول الذي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه ملقى على عواهنه.

العبر: ينبغي استخلاص عبر هامة على إثر نشر التقرير السنوي الجديد  
اعتراف بدور المجلس الأعلى للحسابات في الكشف عن حقائق التدبير العمومي وبموقعه في المشهد المؤسساتي لمغرب اليوم. - ملاحظة دور التقرير السنوي في خلق نقاش عمومي حول أوضاع المالية العمومية وفي دفع المؤسسات والجهات الأخرى إلى تحمل مسؤوليتها.  - هناك نقص وغموض في تحديد هوية  المجلس الأعلى للحسابات كمحكمة رقابية وتأديبية. - هناك تعامل انتقائي مع ملاحظات التقرير السنوي - وهناك لبس في إدراك طريقة عمل ومنهجية سير المحاكم المالية ولا سيما استقلالها ، وعلاقتها بالقضاء  والبرلمان والحكومة.
 
المعادلة الثلاثية للرقابة والمحاسبة

إن البرلمان والمجلس الأعلى للحسابات والحكومة أطراف المعادلة الثلاثية في الرقابة والمحاسبة ، محكوم عليها الانخراط الفعال والصادق في عملية تفاعلية وتعاونية، من خلال وضع الحكومة التزامها السياسي المتمثل في تتبع واستخلاص نتائج التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات ، موضع التطبيق والكشف عنه للعموم. ثم تتحمل مسؤوليتها بخصوص الإدارات والمؤسسات التي لا ترد على تقارير المجلس و توصياته السابقة، أو التي وصمها البرلمان بتنسيق مع  المجلس الاعلى للحسابات وبناء على خلاصاته بسوء التسيير،  فبمجرد تحرك آليات الرقابة والمحاسبة على الشأن العام والمال العام بأضلاعها الثلاثة بشكل متواز ومتناسق، مدعومة بالعين الحريصة للرأي العام ممثلا في المجتمع المدني والإعلام الكفء والحر والمسؤول، والمراقبة العليا لجلالة الملك ، فإن مسيرة الشفافية والمساءلة وحكم القانون في سياق الحكامة الديموقراطية الرشيدة ستتقدم خطوات جديدة للأمام ببلادنا. وهذا أمر ملموس وملحوظ كما نشاهد، ونسمع، ونقرأ هذه الأيام. بقطع النظر عن بعض الأصوات النشاز.
المجلس الأعلى للحسابات يدخل العهد الدستوري الجديد
 ويعمل على التطبيق التدريجي لأعلى المعايير الدولية
 
الهدف من رقابة المجلس الأعلى للحسابات هو الهدف من الرقابة العليا على المال العام كما هو محدد في ميثاق ليما (القسم الأول) وفي الدستور (المادة 147)  وفي قانون المحاكم المالية (المادة 2):
          الشفافية من خلال كشف حساب الإدارة العمومية للرأي العام كحق من حقوق الإنسان والمواطن
كشف مخالفة قواعد المشروعية والكفاءة والفعالية في إدارة الأموال العامة.
جعل الأفراد محل المراقبة قابلين للمحاسبة والمساءلة.
الحصول على تعويض لفائدة خزينة الدولة فيما يخص المخالفات والاختلالات، مع اتخاذ خطوات تحول دن إعادة ارتكاب أمثال هذه المخالفات أو الاختلالات  أو على الأقل جعل تلك الإعادة أكثر صعوبة في المستقبل.

تنفيذ التوصيات

إذا لم يتم تسليم ملاحظات الهيئة العليا للرقابة المالية إلي الجهة المسؤولة بصورة أحكام قابلة للتنفيذ، فإن الهيئة العليا للرقابة المالية يجب أن تكون مخولة مع ذلك أن تقترح على السلطة المختصة اتخاذ جميع التدابير الضرورية للمحافظة على حقوق الدولة ومطالبة الطرف محل المسؤولية بقبول تلك المسؤولية وتنفيذ ملاحظات الهيئة العليا للرقابة. وهذا المقتضى ينبغي إدراجه ضمن اهتمامات القائمين حاليا على تعديل مدونة المحاكم المالية، وعلى ترتيب آليات الرقابة البرلمانية على المال العام.
 
 
تقديم تقارير بطلب  البرلمان أو الحكومة

حسب المعايير الدولية للرقابة  يجب أن تخول  الهيئة العليا للرقابة  أيضا أن تقدم تقارير أخرى ( قارن بالمادة 148 من الدستور) للبرلمان سواء بطلب منه، أو في كل وقت تراه مناسبا ( وللحكومة)- مابين موعدي تقديم التقرير السنوي- وذلك بشان الملفات التي تكون على مستوى معين من الأهمية والخطورة.

عدم نشر بعض التقارير

إن التقرير السنوي يجب أن يتضمن تغطية جميع أوجه نشاط الهيئة العليا للرقابة المالية أما بالنسبة للقضايا الجديرة بالمحافظة علي سريتها لذاتها ، فيجب على هيئة الرقابة المالية العليا – حسب القواعد المتعارف عليها عالميا-  أن توازن بدقة قبل نشرها، ما بين أهمية المحافظة على سريتها وبين المنفعة التي سوف تحقق من إفشائها.

التواجهية في صياغة التقرير

إن وجهة نظر الهيئات و الوحدات الخاضعة للرقابة بخصوص الرد علي ملاحظات الهيئة العليا للرقابة المالية يجب أن تعطى الأهمية المطلوبة في التقرير.
وهذا ما ماينص عليه القانون وما تعمل المحاكم المالية على تطبيقه ونشر ردود الأجهزة محل المراقبة.

لكن بعد انتهاء المسطرة ونشر التقرير فإنه من غير اللائق و المناسب إعادة توجيه نفس الملاحظات والردود بصفة علنية هذه المرة.

ناهيك عن الانتقادات اللاذعة أو عبارات التشويه والتحقير، والتي لا تضر إلا أصحابها من حيث يعتقدون أنها تنفعهم !!؟

وللحديث بقية 

بقلم الدكتور محمد براو



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"