1/10/2013

في التعاطي مع فشل بعض البرامج الحكومية


تم الإعلان مؤخرا عن فشل ثلاث برامج حكومية في ثلاث قطاعات، يتعلق الأول بفشل البرنامج الاستعجالي، حيث أعلن وزير التربية الوطنية في اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، يوم الثلاثاء 24 يوليوز 2012 عن تسبب العديد من النقائص في فشل هذا البرنامج، وفي مقدمتها غياب المقاربة التشاركية في تنفيذ مشاريع البرنامج،
إضافة إلى غياب المقاربة التعاقدية، وعدم استقرار مدبري مشاريع البرنامج على تدبير المصالح المالية، ناهيك عن انعدام الافتحاص الواجب للصفقات التي تفوق كلفتها 5 ملايين درهم وغياب تقارير انتهاء تنفيذ الصفقات التي تفوق قيمتها مليون درهم، كما كشف عن أرقام مقلقة بخصوص نسب إنجاز البنايات المدرسية وخفض نسب الاكتظاظ وغيرها من مشاريع البرنامج الاستعجالي.
أما البرنامج الثاني الذي أعلن عن فشله، فيخص وزارة التضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية، إذ أعلنت الوزيرة بسيمة الحقاوي عن فشل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء التي انطلقت سنة 2002، وعزت ذلك إلى تصاعد مؤشرات العنف ضد النساء سنة بعد أخرى، ودعت إلى تقييم رسمي لنتائج هذه الاستراتيجية.
أما البرنامج الثالث، فيخص وزارة الصحة، إذ أعلن الحسين الوردي وزير الصحة عن محدودية نتائج البرنامج الوطني لمحاربة داء السل بالقياس إلى معدل انخفاض الإصابة بالداء في الآجال الزمنية التي حددتها منظمة الصحة العالمية، إذ لم يصل هذا البرنامج إلى خفض هذه النسبة إلى 6 في المائة، وذلك بسبب تسجيل 27 ألف حالة جديدة سنويا وخاصة في المدن الكبرى للمملكة (الدار البيضاء، سلا، فاس، طنجة وتطوان).
المثير في السلوك الحكومي الذي أعلن بوضوح عن الإخفاق في هذه البرامج التي تشمل قطاعات متعددة، أن النفس السياسوي كان غائبا، إذ لم يتم إلقاء المسؤولية على التجربة الحكومية السابقة، ولم يتم توظيف ذلك ـ على الأقل ـ بالنسبة لقطاع التعليم، لتوجيه ضربات قاصمة لطرف من المعارضة السياسية التي كانت المسؤولة الأولى عن فشل البرنامج الاستعجالي، وإنما سادت لغة أخرى اعتمدت ثلاث سمات أساسية:
ـ تحمل مسؤولية استمرار المرفق الحكومي، واستحضار البعد الأخلاقي في التعامل مع هذه الملفات، فوزير الصحة على سبيل المثال، مع قناعته بفشل البرنامج الوطني لمحاربة داء السل، لم يفته أن يذكر بالجهود السابقة والإنجازات التي تحققت في هذا الصدد، مشيرا إلى أن هذا البرنامج مكن من الكشف عن 95 بالمائة من حالات الإصابة، ومن تحقيق معدل سنوي لنجاح العلاج يفوق 85 بالمائة، فيما أعلنت وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية أنها تقتسم مسؤولية ما يحدث من عنف للنساء في المغرب مع وزراء العدل والاتصال والصحة.
ـ التوجه نحو تصحيح اختلالات البرامج السابقة، إذ اعتمدت القطاعات المعنية آليات متعددة لتقييم هذه البرامج وكشف اختلالاتها اعتمادا على دراسات وافتحاصات مالية، فأحالت ما يجب إحالته إلى القضاء، وأعلنت عن مقاربات جديدة لتجاوز الأعطاب التي تسببت في فشل المشاريع السابقة، تعتمد تعبئة الفاعلين، بمن فيهم البرلمانيون وممثلو القطاعات الحكومية وجمعيات المجتمع المدني، ليتحمل الجميع مسؤوليته سواء على مستوى مواجهة العنف ضد النساء أو محاربة داء السل.
ـ إيقاف النزيف من خلال مبادرات جريئة تمثلت في حالة وزارة التربية الوطنية بالإعلان عن موت البرنامج الاستعجالي والقطع مع بعض البرامج التابعة له والمستنزفة لمالية الدولة؛ مثل مقاربة الإدماج التي كانت تكلف مالية الدولة الملايين من الدراهم التي كانت توجه للساهر على هذا البرنامج، كما تمثلت في حالة وزارة الصحة بإحالة ملفات تتعلق بصفقات التلقيح الفاشلة على القضاء ليقول كلمته فيها.
هذه السمات الثلاث، تبرز في مجموعها تبلور منطق رجالات الدولة في التدبير الحكومي لمثل هذه الملفات، وذلك بالانصراف إلى العمل والإنجاز، وتحمل المسؤولية الأخلاقية التي يمليها استمرار المرفق العمومي، والابتعاد عن النزعة السياسوية التي في الغالب ما يتذرع بها لتبرير العجز عن مواجهة تركة الملفات المقعدة التي تحتاج إلى حنكة في التدبير الحكومي، هذا بالإضافة إلى عدم غمط التجارب السابقة ما قدمته من إنجازات، والإقرار بالإكراهات التي كانت تجول دون تحقيق النسب المرجوة في كل برنامج على حدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"