2/02/2013

محمد حركات : المؤسسات المفتحصة لا تشكل حمولة مالية واقتصادية كبيرة في المالية العمومية

 قال محمد حركات أستاذ في القضاء المالي بجامعة محمد الخامس السويسي الرباط، إنه على الرغم من أهمية التقرير، فإن هناك مجموعة من الملاحظات تتعلق بتجميع مؤسسات ليست لها دلالات مالية كبيرة، وأن المؤسسات المفتحصة لا تشكل حمولة مالية واقتصادية كبيرة في المالية العمومية، بالإضافة إلى غياب مؤسسات وازنة مثل المكتب الشريف للفوسفاط، و صندوق الإيداع والتدبير
 
واعتبر حركات، في حواره مع «التجديد»بأن الملاحظات التي جاء بها المجلس غير قضائية بل هي مجرد ملاحظات إدارية وتفتيشية، وليس له دائما قوة المتابعة الجنائية وهنا تكمن الإشكالية، مضيفا أن التقرير لا يشير إلى الأحكام القضائية لأن لديه عجز في الأحكام. 
وفي فرنسا مثلا نسبة ما يتم افتحاصه يشكل 27 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في حين هذه النسبة تبقى جد متواضعة، بحكم محدودية وسائل وإمكانيات المجلس على حد تعبير حركات.
ما هي قراءتك للتقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات؟
أولا أريد أن أقدم ملاحظات أولية حول التقرير ثم ننتقل إلى تقييمه، فالتقرير يضم أزيد من 1100 صفحة في المجموع ومقسم إلى جزئين، إذا رجعنا إلى القسم الأول فإنه يتضمن 6 فصول، و يتحدث عن مراقبة التدبير واستعمال الأموال العمومية، وتتبع التوصيات الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، والأنشطة المتعلقة بالرقابة القضائية، والتصريح الإجباري بالممتلكات و مراقبة حسابات الأحزاب السياسية وملخص التقرير حول تنفيذ قانون المالية لسنة2009، والموارد والأنشطة الإدارية للمحاكم المالية. بالإضافة إلى مهمات التفتيش التي شملت العديد من المؤسسات من بينها الإدارة العامة للضرائب.ويمكن للصحافي والباحث الجامعي أن يوجه العديد من الانتقادات إلى هذا التقرير، والمرتبطة أساسا بغياب المقدمة العامة، والاقتصار على مجموعة من الملاحظات بشكل ميكانيكي، كما أن التقرير لا يتوفر على مواصفات النشر والبحث العلمي والتناسق العلمي كما هو معمول به، بالإضافة إلى غياب مقدمة عن الهدف من هذا التقرير وأهم الخلاصات، على غرار التقارير الصادرة مثلا عن البنك الدولي أو المنظمات الكبرى الأخرى.
ففي فرنسا مثلا هناك تلخيص للتقرير، في حين المغرب يترك لدى المتتبع أزيد من 1100 صفحة، وهو ما لا يخدم القارئ الذي ليس متابعا للأحداث. والملاحظة الثانية هي أن التقرير يهتم بسنة 2011 التي كانت مليئة بالتحولات الكبيرة بالمغرب مثل الدستور والحكومة الجديدة والربيع العربي، ورغم هذه الأحداث البارزة فإن التقرير لم يشر إليها، وكأن الأمر مجرد استمرار لعمل المجلس، ويمكن القول بأن التقرير خارج التاريخ والتحولات التي عرفها المغرب أو مؤسسات الحكامة الجديدة .
 هل حاول المجلس تنزيل المقتضيات الجديدة التي منحها الدستور 2011؟

 كأن هذه المقضيات التي جاء بها دستور 2011 غير موجودة، وقد أشار التقرير إلى أن المجلس يتوفر على صلاحيات جديدة ولكنه مر عليها مرور الكرام. ويتم تقديم حصيلة ملاحظاته حول بعض المؤسسات، ولكن لا يتم ربطها بكيفية التعامل إزاء التحولات التي يعرفها المغرب.

لكن، لا يمكن نفي أن تقرير المجلس يمثل خطوة إيجابية، خصوصا أنه أشار أيضا إلى مآل التوصيات السابقة التي أعلن عنها؟
نعم التقرير مهم وعمل إيجابي لأن التقرير شامل، ومنذ 2002 وبعدما نصت مدونة المحاكم المالية على ضرورة صدور التقرير بدأ يصدر بشكل سنوي ما بين 2004 و 2011، وقبل الحديث عن مضمون التقرير يجب معرفة الأفراد الذين أنجزوا التقرير.
أنجز من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات، ومديرية إعداد التقارير بهذا المجلس؟
في التجارب الدولية، يتم نشر أسماء القضاة في التقرير، ولكن في الحالة المغربية لا نجد هذه الأسماء.ويجب أن يحسن المجلس من أدائه، ولا يجب أن يقتصر الأمر عن جمع ميكانيكي للأرقام، 
بل الأمر يتطلب تركيبا يمكن أن يساعد المواطن والصحافي والطالب والباحث على الفهم، إذ يفتقد التقرير إلى رؤية ، ويجمع ملاحظات فقط، أي مجرد ذر الرماد على العيون.
ولكنه قدم مجموعة من المعطيات المهمة؟
نعم هناك مجموعة من الأمور الإيجابية والقوية، فهو مكسب وطني، ولكن يجب تقييم التقرير، إذ تؤكد بعض الأوساط المختصة بأن التقرير لم يتم التعامل معه بشكل جيد، أولا من ناحية التركيبة، إذ لا يمكن تقديم الملاحظات بدون مقدمة.
وفي التجربة الفرنسية، أول شيء في مداولات التقرير أن يتم تقديم أسماء القضاة الذين قاموا بالتفتيش، وهم معروفون سواء قضاة أو رؤساء غرف أو وكلاء عامين.
هل للتقرير دور كبير في دعم الحكامة الجيدة والشفافية بالمؤسسات والجماعات المحلية؟
نعم له دور ريادي، ولكن يجب أن يتم التعامل معه بطريقة أخرى على اعتبار الملاحظات التي سبق الإشارة إليها، فهي غير قضائية بل هي مجرد ملاحظات إدارية وتفتيشية، وليس له دائما قوة المتابعة الجنائية وهنا تكمن الإشكالية. والتقرير لا يشير إلى الأحكام القضائية لأن لديه عجز في الأحكام كما يفعل المجلس الدستوري أو المحكمة الجنائية، وعمله يقتصر على مراقبة التسيير.
ولكن المجلس أشار إلى مجموعة من القضايا التي أصدر فيها أحكاما قضائية، فالنيابة العامة أحالت على وزير العدل 8 قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية في حق 27 شخصا سنة 2011، وبلغ عدد الأحكام الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات خلال سنة 2011 ، ما مجموعه 1345 حكما، منها 1172حكما نهائيا و 173 حكما تمهيديا، فالمجلس انخرط في المرحلة الثانية المتعلقة بالمحاسبة والمساءلة ؟
ولكن هذه الأحكام القضائية غير معروفة وهشة، والمتابعات لا تكون نهائية حتى تنتهي جميع المساطر، وبعض الملفات بتقرير 2010 كانت محدودة جدا، لأن نشاط المجلس على المستوى القضائي محدود، ولم يعد يعمل في إطار النشاط القضائي بشكل كبير، وعلى الرغم من أن الأحكام كثيرة، فإن ليس لها نفاذ قانوني يمكن التعويل عليه أو متابعته والاستناد عليه، ولم يستطع تشكيل مذهب فقهي قائم بذاته، حيث حاول التقرير أن يتجنب الجانب القضائي الذي يبقى ضعيفا في برامجه ومراقباته، وفقط 7 صفحات بالتقرير التي تتحدث عن هذا الجانب ولكن أزيد من 1100 صفحة مخصصة لرقابة التسيير ، ويجب أن يتم تحريك الجانب القضائي الذي يجب أن يستند على أسس قانونية، فهل هذا راجع إلى تشكيلة المجلس، حيث إن 44 في المائة من القضاة لهم أقل من 40 سنة، و64 في المائة منهم مهندسون.
هل هناك انتقائية في اختيار المؤسسات التي تكون موضع افتحاص المجلس الأعلى للحسابات، فضلا عن عدم الكشف عن جميع تقارير المؤسسات المفتحصة؟
الملاحظة الأولى هي أن الجزء الأول المتعلق بالمؤسسات الاقتصادية، حيث يتم تجميع مؤسسات ليست لها دلالات مالية كبيرة، حيث تم اختيار الإدارة العامة للضرائب والملك الخاص للدولة والملك البحري، فهذه المؤسسات مهمة، ولكن لا تشكل حمولة مالية واقتصادية كبيرة في المالية العمومية، فمثلا لم يشمل الإفتحاص المكتب الشريف للفوسفاط، أو صندوق الإيداع والتدبير.
ولكن هناك مؤسسات تابعة لصندوق الإيداع والتدبير سبق أن شملها تقرير المجلس، مثل البنك العقاري والسياحي؟
 ولكن صندوق الإيداع والتدبير كمؤسسة يبقى مؤسسة كبيرة يجب أن يشملها التقرير، وأرى أن المؤسسات العمومية ليس لها تمثيلية كبيرة. فالتجربة الفرنسية تعمل على افتحاص المالية العامة والتدبير العمومي ، وتم اختيار 3 عناصر تتعلق بتبييض الأموال والغش وبنك فرنسا، ولا يذهبون إلى قطاعات جزئية بل يذهبون إلى قطاعات لها دلالة بالنسبة للمواطن ولها حمولة مالية كبيرة، في حين المراقبة بالمغرب قطاعية، وهي لا تهتم بالبنية، ويجب أن تكون المراقبة نوعية لأن السؤال هو كم راقبنا من الناتج الداخلي الخام بالمغرب، وكم تشكل قيمة المؤسسات في الناتج الداخلي الخام؟، في فرنسا مثلا النسبة حوالي 27 في المائة من الناتج الداخلي الخام منها 22 في المائة من القطاع العام و5 في المائة من الجماعات المحلية ، وفي المغرب النسبة تبقى جد متواضعة، بحكم محدودية الوسائل والإمكانيات.
إلى أي حد ساهمت هذه الملاحظات في تغيير التدبير العمومي ؟
يجب إشارة إلى أنه إذا لم تكن الرقابة، فإنها كلفة كبيرة بالنسبة لمؤدي الضرائب، وينتظر أن ترجع عليه بعائد ملموس، كما يجب أن نلمس تحسنا في الأداء. فمثلا التقرير الأخير الدولي حول التعليم الصادر عن اليونسكو رسم صورة قاتمة على القطاع، ومن ثم يجب على تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن يهتم بالتعليم والصحة والبحث العلمي ومستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد واقتصاد الريع، وهي محاور تهم المواطن والإدارة المغربية، إذ كنا ننتظر أن يفتحص المجلس المخطط الإستعجالي وليس مؤسسة تابعة للقطاع بمدينة بولمان، ويجب أن يفتحص السياسية المالية والاقتصادية للتعليم. كما تظل المعطيات التي جاء بها التقرير أقل من التطلعات. المشكل يكمن اليوم في مدى قدرة المجلس على إعطاء حلول عملية لتجاوز الاختلالات البنوية التي يعرفها التدبير العمومي، ويبين ماذا يمكن أن نربحه من هذه الرقابة.فضلا عن تقاسم المجلس المعرفة الرقابية مع وسائل الاعلام والجامعات ومراكز البحث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"