4/24/2011

برنامج «فساد تحت المجهر»


استضاف برنامج «فساد تحت المجهر»، الذي تبثه كل أسبوع إذاعة «كازا إف.إم» لمالكها كمال لحلو،  بشراكة مع جريدة «المساء»، في أول حلقة له، مدير جريدة «المساء» رشيد نيني، وعبد الله العمراني، مدير أسبوعية «لافيريتي»، ومحمد الغالي بنكيران، مستشار جمركي ومهتم بالاقتصاد الدولي. (يمكنكم الإستماع لمقاطع من البرنامج في صفحة صوتيات و مرئيات.)

رشيد نيني اعتبر في هذه الحلقة أن معركته الأساسية هي الدفاع عن استقلالية القضاء، وتطهير هذا الجهاز من عناصر الفساد الموجودة في دواليبه، مشيرا إلى أن الخطوة الأولى في الإصلاح هي الإصلاح القضائي،  فيما اعتبر عبد الله العمراني أن إصلاح القضاء ضروري، لكن لابد أن يرافق عملية إصلاح هذا القطاع، في نظره، فتح أوراش أخرى، وعلى رأسها  ورش الإصلاح السياسي لـ»أن الإرادة السياسية والانحراف السياسي، يضيف العمراني، هما اللذان أعطيانا قضاء فاسدا وقضاة مرتشين يتلقون الأوامر». أما محمد الغالي بنكيران فقد أشاد بالدور الذي لعبته الصحافة المستقلة في فضح ملفات الفساد.
معد البرنامج:  فتح الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه المغرب في هذه الأيام الأخيرة النقاش حول موضوع الفساد وأصبح الحديث عن محاربته شعارا رئيسيا في الوقفات الاحتجاجية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الندوات الفكرية، وأصبحنا نسمع من جديد عن ضرورة فتح ملفات الفساد المالي والاقتصادي والسياسي، الملفات الكبرى، بدلا من الصغيرة التي يراد بها إخفاء غابة الفساد الحقيقي. ارتفعت الحناجر ضد الفساد في الوقت الذي كنا نعتقد أنها تعايشت معه إلى الأبد، ومن هذا المنطلق، وحتى لا نحول المطالبة بمحاربة الفساد إلى شعار للترديد والاستهلاك الاحتجاجي الضيق، نفتح أمامكم  نافذة إذاعية من خلال برنامجكم «فساد تحت المجهر» من أجل إشراككم في هذه الدينامية الجديدة بالمغرب، والتي من خلالها نساهم جميعا في نقاش حقيقي حول مستقبل المغرب وحول الإصلاح العميق، انطلاقا من حملة تطهيرية لملفات الفساد، حتى نضع المغرب في السكة الصحيحة للتنمية والإصلاح الحقيقي.

في أولى حلقات برنامجكم «فساد تحت المجهر»، سنتطرق إلى دور ما يسمى بالسلطة الرابعة في كشف وتعقب ملفات الفساد في المغرب، ونقترب أكثر من المعيقات التي تلقاها الصحافة في ذلك، ثم نتساءل كذلك عن أي دور تكاملي بين السلطة الرابعة وسلطة القضاء، وهل يمكن أن نحلم يوما، في إطار مقاربة تكاملية، بهذا التكامل حتى تُستكمل سلسلة تعقب ملفات الفساد؟. من أجل مناقشة هذا الموضوع، سعيد جدا باستضافة رشيد نيني، مدير يومية «المساء»، وعبد الله العمراني، مدير أسبوعية «لافيريتي»، ومحمد الغالي بنكيران، مستشار في الجمارك والاقتصاد الدولي.
الفساد كلمة كبيرة وآليات تعقبها أكبر، والانتظارات من تعقبها أكبر. أستاذ بنكيران كيف ترون مظاهر الفساد والمجالات المرتبطة به؟ وكيف تصنفون الفساد داخل المغرب وكذلك تعقبه؟
الغالي بنكيران: شكرا على الاستضافة، وشرف لي أن أكون حاضرا مع صحافيين من هذا المستوى. قبل التطرق إلى الموضوع يجب أن أشير إلى موضوع مهم يرجع إلى ظروف التحرك السياسي الحالي. نعلم أن المناخ العربي ساهم في خروج الشباب عبر الأنترنيت، وعبروا عن التظاهر ونزلوا إلى الشوارع. إثر هذا التحرك جاء الرد الملكي، ولولا هذا التحرك للشباب المستقل والحر لما كانت هناك أي مبادرة من القوى السياسية الموجودة، لا أحزاب سياسية ولا نقابات ولا جمعيات، وهذا معروف، وإذا أخذنا أحزاب الحكومة، فهي لن تخرج لأن هذا غير منطقي، كما أنه ليست هناك أحزاب معارضة، بما فيها حزب العدالة والتنمية، واليسار سيخاف من الاحتكاك بقوى الأمن. إذن الذي لعب دورا فعالا في هذا وننساه هو الصحافة المغربية، لأنها رغم المضايقات والمتاعب، التي عانتها سنين طويلة، لعبت دورها بصفة فعالة. إذ صمدت الصحافة المكتوبة المستقلة والحرة في وجه العراقيل والاعتقالات. يجب أن نكن التقدير والشكر لما بذلته وتبذله هذه الصحف المستقلة في المغرب للقيام بواجبها، فلولا نشر القضايا السياسية والمالية والتطرق إلى قضايا الفساد على جميع المستويات والقطاعات، لما أتيحت للمواطن المغربي الفرصة للاطلاع عليها، ولما كان للرأي العام المغربي أن يصل أو يدرك هذه المعلومات.
إذ رغم الإمكانيات المحدودة والمضايقات المتعددة لإسكات القلم الصحفي، تمكنت الصحافة المستقلة من النضج والتحكم بالمعرفة، وأصبح اليوم بإمكانها التأثير على الشأن السياسي، وهو ما يعد مكسبا ملموسا حصل عليه المغاربة، وأعتقد أنه المكسب الوحيد الملموس الذي حصلوا عليه نتيجة صراع طويل أدى ثمنه صحفيون أحرار عازمون ومصريون، وكذلك نتيجة الموقف الملكي في هذا الشأن.
< معد البرنامج:  سآخذ هذا المدخل المتعلق بالثناء على الصحافة ودورها في تتبع وإثارة مجموعة من الملفات التي من الممكن أن نعتبرها ملفات ارتبطت بالفساد في مجالات سياسية، اقتصادية ومالية. سؤالي إلى رشيد نيني: أنتم في يومية «المساء» أكيد تواكبون ملفات من هذا النوع، وكتبتم في هذا الباب. هل يمكن فعلا اعتبار أن الصحافة لديها كل الإمكانيات للاشتغال على ملفات الفساد؟
 < رشيد نيني: أولا شكرا على هذه الدعوة الكريمة وسعيد بالتواجد معكم في البرنامج. بالنسبة إلى الصحافة المستقلة فهذا هو دورها وليس أي دور آخر، دورها هو محاربة الفساد أولا عبر كشفه، وثانيا عبر محاسبة المتورطين فيه، فهي ليست بحاجة إلى شهادة تقديرية، لأن هذا هو دورها الأصلي، وإذا لم تقم به فلا معنى لوجودها أصلا، فالصحافة التي لا تقوم بدور الرقابة والمتابعة، والحرص على المال العام وطرق صرفه، ومحاسبة الناس الذين يمارسون السلطة العمومية، ليست صحافة، وللأسف هناك مثل هذا النوع من الصحافة في المغرب، ولكن الصحافة بالمعنى المتعارف عليه منذ ظهورها هو أنها سلطة، أحيانا تسمى السلطة الرابعة، ولكنها في الدول الديمقراطية تسمى السلطة الأولى، لأنها هي السلطة التي تطيح برئيس دولة ويمكنها إسقاط حكومة بأكملها، يعني أنها سلطة أولى في الدول الديمقراطية، فهي التي تحكم ويخاف منها الجميع، هذا بالطبع إذا كانت دولة ديمقراطية حقيقية.
< معد البرنامج: هي تحكم إذا كانت بجانبها سلطة أخرى تساعدها..
< نيني:  هناك سلط، وكل سلطة تقوم بدورها: السلطة القضائية والسلطة التنفيذية وسلطة البرلمان وغيرها، ولكن في الدول الديمقراطية تعمل هذه السلط بشكل متكامل، في المغرب للأسف الشديد هناك حلقة مفقودة في هذه السلسلة، أي سلسلة المسؤوليات، وأنا أنطلق من تجربة شخصية. كصحافة، نحاول جهد الإمكان القيام بواجب المراقبة والنقد والمحاسبة بأدلة وبراهين ووثائق، ونثير أحيانا قضايا فضائحية كبرى متعلقة باختلاس المال العام أو الشطط في استعمال السلطة، لكن المثير في الموضوع هو أن السلطة القضائية تقف موقف المتفرج، فهي تتفرج دون أن تصدر الجهة المعنية بيان حقيقة، ولا أن تكذب، ولا أن تؤكد، والقضاء لا يتابع ولا يحرك ساكنا، وهذا وضع مرضي لا يوجد في أي دولة ديمقراطية أو تدعي الديمقراطية، فحينما نفضح قضية ونعطي أدلة ونكتب أسماء ونعطي وقائع وأرقاما لوزارة العدل مباشرة، على وزير العدل في المقابل أن يفتح تحقيقا، وعليه ستكون نتيجة هذا التحقيق، إما أننا نكذب، وبالتالي تجب محاسبتنا على ذلك، أو أن الجهات التي كتبنا عنها فعلا متورطة، وبالتالي تتم محاسبتها، أما الإبقاء على الوضع كما هو فلا، وهو وضع نعيشه منذ زمان وليس جديدا،  فنحن نعيش في هذه الحلقات المفرغة إلى درجة أنه أحيانا يعاتبنا الناس ويقولون لنا إننا نكتب، ومع ذلك لا يحدث أي جديد، يعني نصير نحن الصحفيين من لم يقم بواجبه على أكمل وجه. نحن لا نملك سلطة اعتقال الأشخاص المتورطين في قضايا الفساد. فهناك سلط أخرى، وكل واحدة منها يجب أن تقوم بواجبها. للأسف الشديد، هذا هو ما نعانيه هنا في المغرب إلى درجة أن الصحافة فقدت مصداقيتها، وإذا سرنا في مسار «تسفيه» العمل الصحفي ونزع قيمته، فهذا يعد أمرا خطيرا إلى درجة أن المؤسسات الصحفية أفرغت من مصداقيتها، فانتهينا إلى أن مؤسسات كثيرة لم تعد ذات مصداقية: القضاء، البرلمان، المؤسسات الحكومية... فأصبحت سلطة الرقابة بدورها بدون مصداقية في جوانب كثيرة، ليس بسببها هي، وإنما بسبب أنه ليست هناك متابعة على مستوى الدور القضائي، إذ ما هو الفساد؟ الفساد في نهاية المطاف هو تعطيل القوانين، وهو ما يفسح المجال أمام «الشفرة».
< معد البرنامج:  إذن يمكن أن نعتبر أن الحلقة المفقودة توجد في السلطة القضائية.
< نيني: ربما انتبهتم إلى هذه المسألة، وهي أنني، منذ سنوات، كانت معركتي الأساسية هي استقلالية القضاء وتطهير هذا الجهاز، وأن تكون عندنا سلطة قضائية حقيقية مستقلة، لكن لا شيء سينجح، «واخا نجيبو دستور من كندا»، إذا لم يكن هناك قضاء يسهر على تنفيذ هذه القوانين وأجرأة هذه الأمور. إذن أول إصلاح يجب أن نبدأ به هو الإصلاح القضائي
نيني:  ولكن اسمح لي أن أقول ما هو سبب هذا الفساد السياسي والفساد المالي والاقتصادي الذي تحدثت عنه أليس من المنطقي أن نقول إن القضاء هو الذي يبت في هذه الأمور، فحينما يكون هناك فساد من يفتح التحقيق؟ القضاء الذي يمكن أن يبت ويحسم في الفساد الموجود في جميع القضاء...
< العمراني: أتفق معك، ولكن سأعطي مثالا يهم القضاء وهو القضاء التجاري. الإرادة السياسية هي التي عطلت إقامة قضاء تجاري وتطويره وتنشيطه، يعني إلى حدود السنوات العشر الأخيرة أصبحت هناك محاكم تجارية وتم تأطيرها...
< معد البرنامج:  يعني تعتقد أن الفاعل السياسي هو الذي يتحكم الآن في الوضع وأن هناك مشاكل في النصوص القانونية.
 < العمراني: العطب في القطاع السياسي. نحن في تجربة ديمقراطية نسبية، والأحزاب التي تشكل هذه الحكومة منبثقة عن البرلمان، وهذا البرلمان منبثق من تلك الأحزاب الضعيفة، هذا الضعف الذي يطال الجميع...
نيني: نحن لن نخترع العجلة، مرت دول ديمقراطية من هذه المرحلة وخرجت منها حينما طبقت أمرين أساسيين ذكرهما الملك في خطابه هما المراقبة والمحاسبة. المراقبة التي يقوم بها أولا الإعلام الحر والمستقل. ثانيا المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة المالية. هذه كلها هيئات مراقبة إذا قامت بعملها وكتبت تقاريرها فالصحافة تنشرها، فما الذي سيصبح مطلوبا؟ إنها المحاسبة، والمحاسبة يقوم بها القضاء، حتى إذا سولت لأحد نفسه أن يقوم بأمر مماثل سيخاف من المحاسبة، ولكن حينما تترك الباب مفتوحا دون محاسبة، فكأنك تشجع على الفساد. عندنا أجهزة موجودة، ولكنها لا تعمل...
حتى إن الفساد وصل حد القصر الملكي، فقد وقعت سرقات هناك. الأشخاص المكلفون بالحراسة كانوا يسرقون، بمعنى أنه لا أحد في المغرب أصبح في مأمن من الفساد و»الشفرة»، وهذا هو الخطر. حينما يصل مستوى الفساد إلى الرجعة المميتة يكون الحل الوحيد في ذلك هو المحاسبة. «اللي دار شي حاجة يتحاسب». نكتب كل يوم عن فضيحة معينة، وفي الأخير من يحاسبون؟ يحاسبون فقط المفسدين الصغار ولكنهم لا يحاسبون المفسدين، الكبار من رجال الأعمال وأصحاب المسؤوليات الكبرى، ممن ارتكبوا مجموعة من الخروقات التي لا نقول إنه يجب بسببها أن يذهبوا إلى السجن مباشرة، وإنما أن يفتح فيها تحقيق على الأقل، حتى نعرف إن كنا ما كتبناه صحيحا أم لا.
< بنكيران: سأعقب على هذا التدخل قبل الدخول في الفساد وأنواعه والتسلسل الحاصل فيه. أريد فقط أن أقول إني لا أتفق مع فكرة أن الصحافة فقدت مصداقيتها، وهذه هي الرسالة التي أريد أن أوجه إلى المواطنين. يجب أن نرسخ ثقافة سلطة الصحافة، لأنها هي التي يمكن أن نثق فيها. أنا أتحدث الآن كمواطن، لا يمكن أن نثق سوى في هذه السلطة حاليا، لأنه حينما نلحظ النظام المغربي ماذا نجد؟ هناك شعب وملك وحكومة وبرلمان. ما هي صلة الوصل بينهم؟ بل ما هي صلة الوصل بين الشعب والملك؟ لا يمكن أن تكون الحكومة، لأننا لا نثق فيها ونعلم محدوديتها بكل مكوناتها، وبالتالي «شكون اللي اليوم يقدر يقول للملك كل شي من غير الصحافة المستقلة»، وبعد ذلك يأتي ما يمكن أن أسميه السلطة الخامسة، وهي سلطة الرأي العام، التي مع الأسف جل المغاربة لا يعرفونها، لأن نسبة كبيرة منهم أميون، والمتعلمون لا يقرؤون الصحف، وهذه نصيحتي: يجب أن يطلعوا على الأخبار والصحف ويعرفوا ما يقع في البلاد حتى يكون هناك تأثير قوي وتكون عندنا سلطة الرأي العام.
نيني: عندي تعقيب على نقطتين، بالنسبة إلى إصلاح القضاء هو الورش الأهم الآن. حينما نقول القضاء على الفساد هو مطلب من بين مطلبين آنيين. هناك انتظارات الطبقة السياسية والمتعلقة بالإصلاح الدستوري، ومطلب الشعب الذي هو القضاء على الفساد، وحتى نكون واضحين فأغلب الشعب لا يهتم بالدستور ولا يعرف ما هو الدستور «وبيني وبينك الإنجليز ليس لديهم دستور. فيها غير القانون ومع ذلك خدامين مزيان». هناك مطلبان إذن. إذا أردنا القضاء على الفساد يلزمنا آلية، هي القضاء، والقضاء عندنا فاسد بشهادة الملك، ذكرها أكثر من مرة في خطاباته. إذن يجب أن نصلح هذه الآلية. إذا أردنا أن نصلح القضاء يجب أن نعرف أين توجد مشاكله. هناك مشاكل الفساد داخل وزارة العدل، والمحاكم التي تحولت إلى شركات خاصة، برعاية أشخاص معروفين، عليها الرحيل إذا أردنا إصلاح القضاء. يجب أن نجلب قضاة نزيهين وشبابا، وهم موجودون، وهناك أطر مهمة في وزارة العدل، وأيضا قضاة شرفاء يريدون العمل بنزاهة، ولكن لم تعط لهم الفرصة.
وما يبدو لي أن القضاء في المغرب «تبهدل». يجب أن نعيد الهيبة للقانون وللقضاء. الناس لا يخافون من القانون لأنه لا يطبق على الجميع.

< العمراني: ورش القضاء ضروري بالموازاة مع جميع الورشات الأخرى، وعلى رأسها الورش السياسي، لأن الإرادة السياسية والانحراف السياسي هما اللذان أعطيانا قضاء فاسدا. الفساد السياسي والمحاكمات الصورية التي كانت في الستينيات هما اللذان أفسدا اللعبة السياسية وأعطيانا قضاة مرتشين يتلقون أوامر من أوفقير وغيره، وبقيت هذه الحال تتوارث... السياسة هي الوجه المظلم في تاريخ الفساد الذي أصاب الأجهزة المغربية، وأنا اقصد بالفساد السياسي الذين كانوا في مواقع القرار السياسي وأصحاب السلط أو المنتدبين لممارسة سلط عليا، فهم من كانوا يعينون رؤساء المحاكم مثلما وقع للضحاك...
< نيني: الناس ينادون بالإصلاح ومحاربة الفساد، لا نريد أن ندخل على خط حملات التطهير.
المحاور: حتى نوضح للمستمعين الكرام ويتتبعوا معنا مضمون البرنامج، الآن نتكلم عن مجموعة من المداخل، والسيد رشيد يتحدث عن آلية تفعيل إصلاح القضاء، ولكن بعد ذلك سنتحدث عن ملفات بعينها، على أساس أن المستمع يمكن، من خلال طرحه بعض الملفات الخاصة خلال الحلقة، أن نحولها في إطار النقاش إلى ملفات عامة، حتى نجد آليات المحاسبة التي لا يمكن وضعها إن لم نكن نعلم مظاهر وأماكن الفساد.
< بنكيران: تعقيبا على تدخلات المستمعين، ما يهمنا هو الفساد الاقتصادي، والفساد الذي خرب البلاد والذي لن يجعلها تتقدم إلى الأمام ولا نعرفه بشكل معمق. إذا عدنا إلى الخطاب الملكي، هناك نقطتان أساسيتان: فصل السلط والمحاسبة، وهو ما يهمنا كشعب. وحتى أعود إلى نقطة التنويه بالصحافة التي طرحت في البداية سأطرح سؤالا بسيطا:السيد نيني من أين تأتيه هذه الأخبار والمعلومات؟ كيف يعمل؟ أنا سأجيب عن هذا السؤال بجواب واحد، وهو أن كل القضايا المشبوهة أصبح يفصح عنها اليوم بطريقة ساطعة وتخرج من كل جهة، بفضل خروج الموظفين المشمئزين عن صمتهم، وكذلك فعل المقاولون المبعدون والمقصيون من صفقات عمومية، والمواطنون المتيقظون، كما يتم الإفصاح عن قضايا الفساد بفضل يقظة المنتخبين النزهاء، وليسوا كلهم، ممن اشمأزوا من خليط المنتخبين المحليين ومن خليط انتمائهم السياسي والحزبي وعدم انسجام مواقفهم وخياراتهم ومن الائتلافات غير السليمة والضربات تحت الحزام والدسائس، ولذلك أصبح ما تنشره الصحافة هو ما بني على أساس وثائق إدارية وحسابات بفضل مشاركة وانخراط المواطن المعبأ.
 <  نيني: اسمح لي. أريد أن أجيب عن نقطة مصادر الأخبار. العديد من الناس يستغربون ويتساءلون عن بعض الأخبار التي تكون في غاية السرية والأهمية، وعن مصدر الإتيان بها، في حين أن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: ليس من أين أتيت بهذا الخبر  وإنما هل تلك الأخبار صحيحة أم لا؟ فإذا كانت صحيحة، فهذا جيد ولا يجب أن تسأل عن مصدرها، لأن الصحفي المهني لا يكشف عن مصادره، ويبقى المهم هو صحة تلك الأخبار، والمسؤولون عندنا في المغرب والمعنيون بالأخبار من هذا النوع سيتخذون هذه النقطة كوسيلة للهروب، حيث لا يناقشون القضية من حيث ضلوعهم فيها أو لا، وإنما يبدؤون في السؤال عن مصدر الخبر. في الدول الديمقراطية ليس سبة أو إهانة أو تنقيصا من الصحفي أن تكون لديه مصادر متعددة، في الجيش وفي المخابرات وغيرها، وهذا هو الصحفي. والصحفي الذي لا يملك مصادر في هذه الأجهزة ليس بصحفي.
معد البرنامج:  السيد العمراني، هناك سؤال طرح حول الفساد الإعلامي، إضافة إلى الإشكالية التي طرحها السيد رشيد حول مصادر الخبر في زمن نعرف أنه في المغرب ليس هناك قانون حول حق الولوج إلى المعلومة، يعني أنه في ظل هذه الإصلاحات التي نتحدث عنها يجب أن نذهب في هذا الاتجاه..
< العمراني: أعتقد أن الصحافة التي تحدث عنها السيد رشيد، والتي أتحدث عنها تختلف عما جاء في سؤال أحد المواطنين حول الفساد في الإعلام، لأنه يقصد الفساد في الإعلام العمومي والتلفزيون المغربي الذي يداري على الفساد وعلى استعمال المال العام في غير محله أو استغلال ظرفيات اجتماعية واقتصادية لقضاء مآرب معينة، وأظن أن هذا القطاع هو الذي يجب أن يكون محل مساءلة.
< نيني: إذا كان هناك فساد أكثر خطورة، شأنه شأن فساد القضاء، فهو فساد الإعلام، لأن ما هو الإعلام في نهاية المطاف؟ هو المرآة التي تعكس جميع أنواع الفساد الموجودة في المجتمع، فإذا كانت هذه المرآة غير سليمة، فلن تظهر الصورة على حقيقتها، بمعنى أننا «ماغانسيقوش الخبار»، ولن نعرف مواطن الفساد والقائمين عليه، وهذا هو دور الإعلام. والإعلام العمومي في المغرب الذي يمول من جيوب المواطنين، يستوجب بالمقابل إعطاءهم خدمة عمومية، على عكس ما نراه، حيث وصل الإعلام العمومي إلى مستوى من الانحطاط والفساد لا مثيل له، حيث أصبح ينتج «التكلاخ» وتجهيل المواطنين عوض تكوينهم وإعلامهم وتثقيفهم، وهذه هي الأدوار الأساسية للإعلام العمومي، وعوض ذلك يتم بث المسلسلات التافهة التي تشترى بأموال الشعب وبث أخبار تافهة، وإنتاج برامج لا تكون فيها في غالب الأحيان تفاعلية ولا راهنية ولا تحليل ولا عمق، وفيها نفس الوجوه، مع إقصاء فاضح للناس الذين يقرأهم ويسمعهم الشعب مثلما يحدث لنا نحن «المساء».
< معد البرنامج:  السيد رشيد، إذن، يمكن ربط آلية المحاسبة التي تحدثت عنها كآلية ناجعة من أجل القضاء على هذه المظاهر كلها في الإعلام العمومي...
< نيني: الإعلام العمومي يجب أن يشتغل فيه إعلاميون حقيقيون، وهم موجودون. تصور أن الصحفيين المغاربة هم الآن من يشغلون مناصب مهمة في الفضائيات العربية أمثال الجزيرة والعربية ودبي وغيرها. الإعلاميون المغاربة موجودون. لماذا لا نفتح لهؤلاء فضاء مهنيا صحيا للعمل والاشتغال ونزيل هؤلاء الانتهازيين الموجودين الآن في الإعلام العمومي؟
على سبيل الختم تكلمنا عن نقطتين أساسيتين في الإصلاح، إصلاح المجال الإعلامي بوضع الأشخاص المناسبين في المكان المناسب وتغيير شامل في مناصب المسؤولية. ثانيا إصلاح القضاء، وحينما نتحدث عن إصلاح القضاء سيكون من الظلم أن نحصره في القضاة. فقط أو موظفي وزارة العدل، بل هناك أيضا جهاز الدفاع، أي المحامين. الفساد المتفشي بين المحامين غير موجود بين القضاة «راه كايبيعو ويشريو في عباد الله». وهناك جانب آخر ثالث، وهم موظفو وزارة العدل، بمعنى أن إصلاح القضاء فيه ثلاث ركائز أساسية: القضاة، وموظفو العدل الموثقون، وجهاز الدفاع المحامون. بدون إصلاح هذا الثلاثي سيكون الإصلاح معاقا.
< العمراني: طبعا أنا أقول إن الإصلاح السياسي قائم، والمطروح الآن هو أنه يجب أن يواكب إصلاح القضاء بالفعل، لأنه أساسي، بالموازاة مع إصلاح قانون الصحافة، بتجريده من جميع القوانين السالبة للحرية، وجميع القوانين التي تعيق العمل الصحفي، والتي تعطي هوامش حرية للمبادرة الصحفية الإعلامية في البحث والتقصي وتوضيح بعض فصوله التي تعرف ضبابية وتؤول في جميع الاتجاهات.
< نيني: الحق في المعرفة حق أساسي يجب التنصيص عليه في الدستور. ثانيا يجب التنصيص على حماية الصحافيين للقيام بواجبهم ضد إرهاب القضاء، وثانيا ضد الاعتداءات التي يكونون عرضة لها من طرف الأشخاص الذين ينشرون أخبارهم، بمعنى توفير الضمانات الأمنية والقضائية للقيام بمهامهم في فضح الفساد وفي مرافقة المغرب في هذا الانتقال الديمقراطي.
< بنكيران: خير ما يمكن أن يقال في الختام «ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون» صدق الله العظيم.
عبد الله العمراني: لابد من الحرية للصحافة لتتبع أوراش الإصلاح
< معد البرنامج:  أستاذ العمراني، حينما نتحدث عن حلقة مفقودة. أي السلطة القضائية، والرقي بها إلى سلطة مستقلة، نجد أن الخطاب الملكي لـ9 مارس تكلم عن مجموعة من المرتكزات: القضاء كسلطة مستقلة، سيادة القانون والمساواة، فصل السلط، تقوية الآليات، تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة. هذه الإشارات هل يمكن أن تكون إجابات عن هذه الحلقة المفقودة؟
< العمراني: هذا دليل أريد استعماله، لأكمل فكرة السيد رشيد بأنه ليست هناك حلقة واحدة مفقودة فقط، بل هناك حلقات مفقودة وليس القضاء وحده، إلا إذا كنا نتحدث فقط عن الفساد القضائي، والفساد في قطاع العدل، بل الفساد، قد لا أكون مبالغا إن قلت إنه عام وفق قطاعات متعددة، وبالضبط في القطاع السياسي. لماذا هذا القطاع بالضبط؟ لأن الإصلاحات المعلن عنها هي إصلاحات سياسية بالأساس. أما بالنسبة إلى السلطة المعطاة للصحافة، فهي سلطة نظرية، والحرية النسبية التي تمارسها الصحافة المكتوبة في المغرب، وعلى رأسها جريدة «المساء»، هي حرية نسبية، لذلك نحن نطالب بحرية أكبر تواكب هذه الإصلاحات التي هي في الأفق، على أساس أن هذه الحرية هي التي ستمنح الصحافة القدرة على تتبع جميع ورشات الإصلاح الحقيقية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أعتقد أنه إلى جانب الفساد القضائي، هناك الفساد في القطاع المالي والاقتصادي الذي يشكل بؤرة تعفن كبيرة، حيث نرى أن رجال أعمال ناجحين في أعمالهم، ولكنهم يبحثون عن موطئ قدم في السلطة ويعللون ذلك بالقول «باش نحضي رزقي»، وكأننا في غابة مليئة بالذئاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"