2/14/2012

هل أعلنت حكومة الإسلاميين الحرب على الفساد

جاءت الحكومة الحالية، التي يقودها أمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، في ظل ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة الحساسية والتوتر، عقب حراك الشارع المغربي الذي أعرب عن تطلعه إلى الإصلاح والتغيير.  وقد احتلت مطالب محاربة الفساد وتكريس الشفافية والقضاء على اقتصاد الريع محورا رئيسيا في تحركات الشارع المغربي في السنة الماضية، وانعكس ذلك في الدستور الجديد، الذي ربط المسؤولية بالمحاسبة للمرة الأولى بشكل مباشر، ومنح صلاحيات جديدة لرئيس الحكومة في عملية توسيع للصلاحيات السابقة في الدستور القديم، وهو توسيع في حد ذاته كان يؤكد ضمنيا على أهمية الدور الحكومي في مباشرة ملفات لم تكن تباشرها من قبل، من جملتها محاربة الفساد التي تعتبر تطبيقا لذلك الربط الذي صنعه الدستور بين المسؤولية والمحاسبة.لقد رفع الشارع المغربي شعار محاربة الفساد بجميع أطيافه، على اعتبار أن محاربة الفساد في حد ذاتها نوع من الإصلاح إذا أخذنا بعين الاعتبار الكلفة الثقيلة التي يفرضها على ميزانية الدولة سنويا، مما يمكن أن يكون مصدرا لخلق إمكانيات أخرى في مجال خلق فرص الشغل أو البنيات التحتية أو تنمية الفائض. وتحول هذا الشعار إلى شعار سياسي لمختلف الأحزاب السياسية خلال الانتخابات الأخيرة، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، الذي جعل من مسألة محاربة الفساد حصان طروادة بالنسبة إليه، حتى قبل أن يدخل الحكومة ويعرف مدى الإمكانيات المتوفرة لتنزيل ذلك الشعار عمليا.ويشكل اعتقال عبد الحنين بنعلو، المدير السابق للمكتب الوطني للمطارات، المتابع في حالة اعتقال بتهمة تبديد أموال عمومية، والإعلان عن قرب إحالة ملف المدير السابق للقرض العقاري والسياحي، الاتحادي خالد عليوة، على قاضي التحقيق على خلفية الاتهامات الموجهة إليه في تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر قبل عامين، والذي كشف عن وجود اختلالات كبيرة في هذه المؤسسة، مؤشرا على أن الأمور في مجال محاربة الفساد يمكن أن تتحرك بوتيرة أسرع، بهدف إرسال إشارات إيجابية إلى الرأي العام الداخلي بأن مطالب محاربة الفساد على رأس الأجندة الحكومية، وكذا إلى المسؤولين ومختلف الفاعلين في جميع القطاعات بأن عهد التساهل مع الفساد قد انتهى.أثيرت قضية محاربة الفساد قبل عدة سنوات بالمغرب، على خلفية التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات ومؤسسة البنك الدولي وهيئات أخرى بالمغرب، إلا أن يد الدولة ظلت قاصرة ولم تطل المسؤولين عن الحالات التي تم وضع الأصبع عليها. وخلال حكومة التناوب السابقة رفع شعار تخليق الحياة العامة لكنه ظل محدودا جدا ولم يتم تنزيله في الواقع، بل الأكثر من ذلك أن تلك الحكومة ـ التي كان الجميع يأمل أن تكون وسيلة للقضاء على الفساد ـ قد أنتجت هي أيضا مفسديها الذين توقفت عندهم تقارير المجلس الأعلى للحسابات.وإذا كان الفساد في المغرب يعني الفساد الاقتصادي، أي اختلاس المال العام بالدرجة الأولى، فإن له وجوها أخرى ربما كانت أخطر لكونها السبب الرئيسي في إنتاج الفساد الاقتصادي، وعلى رأس تلك الوجوه الفساد السياسي بسبب الوضعية المتميزة للحياة السياسية المغربية وطبيعة النخبة السياسية في بلادنا ومسؤولية الحزب السياسي في المغرب في نشر ثقافة الريع. وهي كلها جبهات للفساد لن تكون الحكومة الحالية جادة في شعاراتها بدون النظر فيها بشكل تدريجي، لكن دفع لوبيات الفساد إلى القيام برد فعل قوي يمكنه أن يهدم التجربة من أساسها.ويظهر أن الحكومة الحالية تتوفر على الضوء الأخضر من أعلى مستويات الدولة من أجل فتح ملفات محاربة الفساد، لأنه أصبح يشكل عبئا ثقيلا عليها، اقتصاديا وسياسيا، وتريد استخدام الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية في أداء هذه المهمة، لكن الصعوبات تكمن في تحرك لوبيات الفساد للدفاع عن نفسها، وفي الانتقائية التي يمكن أن تسقط فيها الحكومة في فتح ملفات بعينها دون أخرى، مما سيؤثر، ليس على الحكومة الحالية فحسب، بل على جدية الدولة نفسها في الإصلاح ويحول كل هذا الحراك الشعبي الذي تمخض عن دستور جديد إلى محطة غير مكتملة يمكنها أن تبدأ من جديد في كل حين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"