12/16/2012

هشام التزكيني : استفادة المقاولات الأجنبية من ثمار الصفقات العمومية المغربية على حساب المقاولات الوطنية *

أشار منشور رئيس الحكومة المتعلق بإعداد مشروع قانون المالية 2013 إلى ضرورة تشجيع ولوج المقاولات الوطنية للصفقات العمومية، هل مجرد الإشارة إلى ذلك يعتبر كافيا؟

تضمن المنشور سالف الذكر معالم سياسة متطورة للشراء العمومي تم تلخيصها في ربط الإنفاق العمومي بالحاجيات الضرورية؛  التقليص من النفقات المتعلقة بالدراسات مع الاستثمار الأمثل للموارد البشرية المتوفرة؛ تأسيس مبدأ الاستغلال المشترك للوسائل المتاحة؛ ربط اعتمادات الاستثمار بمستوى الإنجاز وبتقييم الوقع الاقتصادي والاجتماعي؛ تشجيع استهلاك المنتوج الوطني؛ تخويل المقاولات الصغرى والمتوسطة الأفضلية وتسريع صرف مستحقاتها؛ بالإضافة إلى تسهيل وتشجيع ولوج المقاولات الوطنية للصفقات العمومية، وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة. و على أهميتها، فهذه الأهداف قد لا تغير من الواقع شيئا إذا لم تواكبها ميدانيا تدابير تضمن تحقيقها وتتبع إنجازها.
هل يمكن اعتبار أن جهود الحكومات المتعاقبة لم تستطع خلخلة هذا الملف؟
على الرغم من إشادة كل من البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بجهود إصلاح الحكومات السابقة لمنظومة الصفقات في تقريريهما الصادرين تباعا سنوات 2000 و2008، إلا أنه، واستنادا إلى خلاصات مجموعة من التقارير الوطنية الصادرة بعد ذلك عن مؤسسات رسمية ومدنية، يمكن الخروج باستنتاج مفاده أن هذه الإصلاحات لم تتمكن، على أرض الواقع، من تخليص ميدان حيوي كالصفقات العمومية من الممارسات السلبية كالرشوة والزبونية أو تمكينه من المساهم الفعالة في تنمية الاقتصاد وإنعاش المقاولات الوطنية خصوصا الصغرى منها والمتوسطة. فطبقا للاستقصاء الذي قامت به الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة سنة 2010، أكد 59 في المائة من عينة المقاولات المستجوبة أن تفويت الصفقات العمومية تنتج عنه رشاوى قدرت ب 10 في المائة من قيمة العقد. وعلى نفس المنوال، سارت نتائج الدراسة التي أجريت لفائدة مجلس المنافسة والتي أعلن عنها في يونيو 2012، حيث أقر 63 في المائة من المقاولات التي شملتها الدراسة بوجود الرشوة في تفويت الصفقات العمومية، في حين أكد 54 في المائة أن المجال يعاني من المحسوبية. كما يستفاد من خلاصات تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي المتعلق بالصفقات العمومية الذي أعلن عنه في  30 غشت 2012، أن الحكومات المتعاقبة عل تدبير الشأن العام بالمغرب لم تستطع، خلال العقد الأخير، أن تجعل من الطلبات العمومية رافعة حقيقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على الرغم من ارتفاع قيمتها من 39 مليار درهم سنة 2002 إلى  160 مليار سنة 2011 . كما أن الإصلاحات التي عقدتها سنة 1998 و2007 لم تستطع أن تحقق الأهداف المنشودة المتعلقة بالشفافية وتبسيط المساطر وتسهيل ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الصفقات العمومية. بل وكان لميدان الصفقات العمومية، في تلك الفترة، بالغ الأثر على عجز الميزان التجاري، بسبب اللجوء إلى الأسواق الخارجية عوض السوق الوطنية، وبصيغة أخرى بسبب استفادة المقاولات الأجنبية من ثمار الصفقات العمومية المغربية على حساب المقاولات الوطنية.

إذن المقاولات الصغرى و المتوسطة لديها منافسان، المقاولات الكبرى و كذا المقاولات اللأجنبية؟
المفارقة الواضحة في هذا الجانب، أنه في الوقت الذي تُفتح فيه الصفقات العمومية المغربية لصالح المقاولات الأجنبية، سُجل تحول نوعي ذو طابع حمائي للسياسة الدولية في هذا الميدان .  فعلى إثر الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، ركزت معظم الدول على الصفقات العمومية لدعم الطلب الداخلي وخلق فرص الشغل، وأسفر هذا الخيار عن اتخاذ بعض التدابير الحمائية من أجل توطين الصفقات واستفادة المقاولات الوطنية من ثمارها. على سبيل المثال، كانت اللجنة الأوربية قد أعدت في مارس 2012، بعد مخاض طويل دام حوالي سنتين، مقترح نص قانوني يسمح بتطبيق مبدأ "المعاملة بالمثل"، الذي يخول لدول الإتحاد إغلاق صفقاتها أمام شركات الدول التي تغلق هذا الميدان في وجه نظيرتها الأوربية.
وغير بعيد عن المغرب، تداعت مختلف الأطراف في فرنسا شهر يوليوز 2012 ضد إعلان فوز شركة، تملك مركز اتصال داخل المغرب، بصفقة فرنسية تقدر ب 15 مليون أورو لمدة ثلاث سنوات. لقد تدخل رئيس فرنسا "فرونسوا هولاند" شخصيا في هذه القضية ودعا إلى اليقظة لدعم الشغل في فرنسا. كما دعا في البداية وزير النهوض بالإنتاج "أرنو مونتبورغ"  إلى مراجعة قرار تفويت الصفقة ليستطيع في النهاية أن ينتصر لقضية الشغل في فرنسا، حيث أُجبرت الشركة التي تملك مركز اتصال داخل المغرب، على تخصيص جميع مناصب الشغل التي سيوفرها المشروع للفرنسيين، وهو ما يعني مباشرة تخلي الشركة على جميع مناصب الشغل التي كان المغرب سيستفيد منها والتي تناهز 80 منصبا
حاوره سعيد طواف صحفي بجريدة المساء عدد 1862*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"