3/14/2019

مردودية الاستثمارات والنفقات العمومية‬ ترفعان المديونية العامة للمملكة


فشلت مختلف الحكومات المتعاقبة في ترشيد تدبير النفقات العمومية، الأمر الذي تسبب في تضاعف المديونية العامة للمملكة، خلال السنوات الأخيرة، في ظل عجزها عن إيجاد حلول بديلة من شأنها تحسين ظروف تسديد الديون، إذ على الرغم من توجيه الديون إلى مجال الاستثمارات العمومية عوض سداد الأجور، مثلما كان في فترة سابقة من تاريخ المغرب، فإن الدولة لم تستطع إعادة التوازن إلى المالية العامة.
Espace publicitaire : Avez-vous besoin d’une formation ou conseil en marchés publics, veuillez prendre directement contact avec un consultant du Centre des Marchés Publics par téléphone au +212 666 716 600 ou par adresse email bureaucmp@gmail.com

تحاول جريدة هسبريس الإلكترونية سبر أغوار هذا الإشكال العويص الذي عمّر طويلا، من خلال تشريح مختلف المثبطات التي تعرقل نجاعة الاستثمار العمومي بالمغرب، ومن ثمة الحديث عن مردودية الاستثمارات الكفيلة بسداد الديون، عبر نيل تصريحات أساتذة جامعيين وخبراء اقتصاديين.
فقير: تحسين ظروف تسديد الديون
قال المهدي فقير، الخبير المغربي في مجال المخاطر الاقتصادية، إنه "لا يجب النظر إلى المديونية على أساس أنها معضلة؛ لأنها تبقى في نهاية المطاف عبارة عن حالة تقنية، أي خيار للمالية العامة من أجل تمويل المشاريع المهيكلة، بحيث تمكن في ما بعد من توفير الموارد المالية اللازمة للدولة، عبر تحقيق إقلاع اقتصادي سيمكن الدولة من الوصول إلى دينامية اقتصادية؛ أي ستمكن من توفير الموارد المالية عن طريق المداخيل الضريبية لتسديد تلك الديون".
وأضاف فقير، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المديونية آلية للتمويل مادامت الموارد المالية محدودة بالمغرب؛ لأن الدولة لا تتوفر على الثروات الطبيعية والمداخيل اللازمة لتمويل المشاريع وتحقيق التنمية المهيكلة بالموارد الذاتية؛ ما يجعلنا نضطر إلى الاستدانة، على أساس أن القانون الوضعي المنظم للمالية سنة 2015، وضع كشرط أن المديونية يجب أن توجه للاستثمار عوض تمويل النفقات العادية.. ومن ثمَّ، إذا اعتمدنا المفهوم التقني فمن المفروض أن يتم توجيهها لمشاريع مهيكلة".
وأوضح الخبير المحاسباتي أن "المسألة الأولى تتعلق بمدى توجيه المديونية للمشاريع المهيكلة، ثم الآفاق التي من شأنها تمكين هذه المشاريع من إعادة التوازن للمالية العامة. أما المسألة الثانية، فتطرح سؤال: هل تمت المديونية في ظروف تقنية حسنة؟، حتى نتمكن من سدادها في ظروف حسنة؛ لكن الإشكال يكمن في إمكانية السداد والاسترجاع، لأن إعادة التوازن للمالية مرهون بقدرة الحكومة على أن تعيد بشكل أو بآخر التوازن للمالية، ما يطرح إشكالية توفرها على منظور".
وأكد الخبير الاقتصادي أن "المغرب يسدد 70 مليار للديون في السنة واحدة، أي أن ما يعادل ثلث الميزانية العامة تذهب لسداد الديون، لتصل بذلك خدمة الدين إلى 28 مليار في السنة؛ ما يعني أكثر ما كلّف القطار فائق السرعة (البراق)، وهو إشكال قانوني يحيل إلى ضرورة تقييم الديون"، خاتما: "الإشكال التقني الثاني يتعلق بإمكانية تحسين ظروف التسديد، لأن المديونية في تفاقم حسب المجلس الأعلى للحسابات. وقد نبه بلاغ الديوان الملكي، في غشت الماضي، إلى ضرورة وجود تدبير يقظ للمديونية؛ ما يستوجب إعادة الجدولة والهيكلة، ثم إعادة النظر في المنظومة كلها، عبر إحداث آلية مؤسساتية لتدبير المديونية العامة لكي لا تبقى خاضعة مباشرة للجهاز التنفيذي، من قبيل إنشاء وكالة وطنية أو آلية تقنية أو غرفة عمليات مركزية للمديونية".
الفينا: إشكالية المردودية العالية للاستثمارات
من جهته، يرى إدريس الفينا، الأستاذ الجامعي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصادي التطبيقي بالرباط، أن المديونية عادية في جميع الاقتصاديات المتقدمة أو الصاعدة، بحيث تتوفر على مديونيات في مستويات مختلفة؛ لكن الإشكال الذي يطرح دائما في المديونية العمومية يكمن في طريقة استعمالها، على أساس أن المغرب، خلال السنوات الأخيرة، رفع من فعالية استعمال المديونية الخارجية، بحيث لم تعد تذهب لسداد الأجور".
ويشدد الفينا، في تصريح لجريدة هسبريس، على أن "المديونية صارت تتعلق بكل ما تقوم به المؤسسات العمومية أو الخزينة العامة، إذ باتت موجهة إلى الاستثمارات العمومية، خاصة ما يرتبط بالبنيات التحتية التي تتطلب استثمارات كثيرة، على غرار القطار فائق السرعة ("التيجيفي") والموانئ والمطارات والطرق السيارة".
ويختم المتحدث تصريحه بالقول: "الأمر يحتاج إلى النجاعة من جهة، ثم حينما توجه المديونية للمؤسسات أو الشركات العمومية من أجل الاستثمار، فإنه ينبغي الحديث عن المردودية العالية للاستثمارات؛ لأن المواطن ينبغي ألا يؤدي الديون في إطار الضرائب، في إشارة إلى تلك الشركات التي استدانت بشكل كبير للحفاظ على وتيرة استثماراتها؛ علما أن الدولة ترفع من وتيرة استثماراتها من سنة إلى أخرى، خاصة ما يتعلق بالبنيات التحتية بغرض تهيئة المناخ الملائم للقطاع الخاص لكي يستثمر، ما يعني أن هذه الوتيرة ارتفعت خلال الـ15 سنة الأخيرة، على الرغم من الركود الاقتصادي للدولة في وقت الأزمة؛ لكنها حافظت على وتيرة الاستثمارات العمومية".
صلوح: الحكامة في تدبير النفقات العمومية
أما محمد صلوح، الخبير الاقتصادي، فقد مضى قائلا: "المديونية ليست بمشكل في حد ذاتها؛ فلا يوجد أي عيب في لجوء الدولة للمديونية لكي تنجز مشاريع استثمارية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، لكن يجب أن تكون مردودية المشاريع كافية لتغطية الفوائد والأداءات المتعلقة بالديون. ومن ثم، فإن السؤال المطروح اليوم في المغرب يتجاوز المديونية".
ويبرز صلوح، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "جميع الاستثمارات العمومية، سواء تلك التي يتم تمويلها عبر المديونية أو الإمكانيات الذاتية للدولة، تطرح سؤال النجاعة، وهي فكرة لطالما أكدتها تقارير البنك الدولي والمؤسسات الأجنبية المانِحة والمتتبعة لتطور الاقتصاد الوطني؛ لأنه حينما ننظر اليوم إلى تأثير الاستثمارات العمومية من حيث النمو أو التشغيل أو تحقيق العدالة المجالية أو الأهداف المتوخاة بشكل عام، فإننا لا نحس بأي أثر على أرض الواقع".
"تتوفر بعض الجماعات المحلية على فائض مالي غير مستعمل، إذ يصل الأمر إلى مبالغ مالية كبيرة في بعض الأحيان تتجاوز المبالغ التي نقترضها؛ لكن في الوقت نفسه دائما ما توجد التزامات حكومية بخصوص الاستثمار العمومي في جميع قوانين المالية، لكن لمّا نقوم بالتقييم في نهاية السنة نجد أن ما أنجز قليل جدا والمردودية غير كافية أحيانا"، يورد المتحدث، مردفا: "المديونية عبارة عن نقاش تاريخي، إذ قامت حكومة التناوب بجهود كبيرة لتخفيض نسبة تأثير المديونية، على اعتبار أن هنالك نسبا ينبغي عدم تجاوزها في العالم كله؛ وهي من 60 إلى 70 في المائة من الدخل القومي العام، بينما تتجاوز الحكومة المغربية 80 في المائة، فضلا عن كون الحكومة تتحدث فقط عن ديون الخزينة العامة، وهي الديون المباشرة للدولة التي اقترضتها لتمويل الميزانية العامة، لكن المديونية العامة لا تقتصر على ذلك فقط".
ويلفت الخبير الاقتصادي الانتباه إلى أن "هنالك مديونية لها لعلاقة بالمقاولات المغربية والمؤسسات العمومية، التي تعتبر في نهاية المطاف امتدادا للدولة، من قبيل المكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للمطارات والمجمع الشريف للفوسفاط، وهي مؤسسات تضمنها الدولة في حال عجزت عن الأداء، ما يجعها تتحمل العواقب".
ويشير المصدر عينه إلى وجوب "ترشيد النفقات، ما يحيل إلى سؤال الحكامة في تدبير النفقات العمومية؛ فمثلا كل ما يتعلق بالصناديق السوداء والحسابات الخاصة من المفروض أن تخضع للتدقيق والشفافية ومراقبة ممثلي الأمة، إلى جانب توفر المغرب على أزيد من 150 مؤسسة عمومية تابعة للدولة، فأغلبها عوض أن يُنتج دائما ما يخسر في نهاية المطاف، بحيث يتم تمويل عجزها من ميزانية الدولة، ما يضطرها إلى خوصصة بعض المؤسسات، مما يستدعي تفعيل الجهوية المتقدمة، حتى يكون تدبير الاستثمار العمومي بيد الجهات، ثم زيادة مستوى الحكامة والتدبير والتدقيق عوض التدبير المركزي الذي يوجد في الرباط، لأنه يأخذ العوامل المتعلقة بمركزية الدولة بعين الاعتبار أكثر من الأهداف المتعلقة بالتنمية".




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"