12/02/2011

ضرورة تجديد الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الفساد

أكد محمد المسكاوي، نائب المنسق الوطني للهيئة الوطنية لحماية المال العام أن شرعية رئيس الحكومة المقبل هي شرعية شعبية أقرتها صناديق الاقتراع وفي حالة الاختلاف يمكن العودة إلى ذلك الحكم وهو الشعب.
وشدد المسكاوي في حوار مع "التجديد" على ضرورة تجديد الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الفساد، ولكن بشرط توفر الإرادة السياسية، وهو ما كان غائبا في السابق حيث كانت تقر الحكومات منذ حكومة التناوب قوانين جيدة في العناوين، لكن يتم إفراغها فيما بعد من مضمونها.
❍ بالمغرب الصدارة لحزب العدالة و التنمية، بالنسبة لكم كجمعية لحماية المال العام، ماذا يعني انتصار هذا الحزب؟
● ما يهمنا في الهيئة الوطنية لحماية المال العام من العملية الانتخابية هو إفراز مؤسسات قادرة على محاربة الفساد على المستوى التشريعي والتنفيذي، وهو ما أكدنا عليه في عدة مناسبات، وفيما يتعلق بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة التي منحتهم الصدارة، ففي تقديري الشخصي، هذا امتداد طبيعي لما يعرفه العالم العربي من تغيير في ظل الربيع العربي إقليميا، فنحن إذن أمام وعي جارف للشعوب العربية، وقناعة وصمود من أجل انتزاع الديمقراطية مهما كلف الأمر، كما يمثل هذا الفوز -وطنيا- نتيجة طبيعية للحراك المغربي، والزخم الذي قدمته حركة 20 فبراير.
من جانب آخر، أنا جد سعيد أن تقوم الكتلة الناخبة بإيصال حزب المعارضة إلى السلطة، وهي الممارسة السليمة التي من شأنها تقوية المسار الديمقراطي ببلادنا، وهو في نفس الوقت انتصار للوعي المغربي الذي راهن البعض على تبخيسه من خلال خلق تحالفات هجينة مصلحية، إلا أن كلمة الناخب ضربت بكل تلك السيناريوهات عرض الحائط، حيث انقلب السحر على الساحر.
❍ هل وضع البرنامج الانتخابي لحزب العدالة و التنمية آليات للتصدي للفساد الذي يعرفه البلد؟
● في مطالبنا دائما كهيئة وطنية لحماية المال العام، كنا ندعو إلى تجديد الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الفساد، ولكن بشرط توفر الإرادة السياسية، وهو ما كان غائبا في السابق حيث كانت تقر الحكومات منذ حكومة التناوب قوانين جيدة في العناوين، لكن يتم إفراغها فيما بعد من مضمونها.
وبحكم تجربتي الشخصية مع بعض نواب حزب العدالة التنمية الأصدقاء أقر التعامل الجدي لهؤلاء مع مجموعة من القضايا، ففي كثير من المواضيع التي كنت ألجأ إليهم لطرحها بقبة البرلمان كان يتم الأمر بكل شفافية وجدية، بل أضيف أن فريق العدالة و التنمية خلال الولاية السابقة أثاروا الكثير من ملفات الفساد التي تعرفها البلد، كما أن حملته الانتخابية ركزت على هذا الموضوع.
وبالتالي فنحن أمام حزب يتوفر على الإرادة الصلبة لمحاربة الفساد والمفسدين والتصدي لهذا الملف الشائك، وأظن أن نجاح تجربة العدالة والتنمية في الحكومة القادمة مرتبط أساسا بمبدأ نجاحها في إدارة مثل هذه الملفات، من خلال التركيز على مبدأ عدم الافلات من العقاب، وإرجاع الأموال المنهوبة، علما أن الأمر ليس بالبسيط على اعتبار تجدر مافيات الفساد بالمغرب وتشعبها، وأجزم من خلال القضايا والملفات التي سبق أن أثارتها الهيئة أن الحكومة المقبلة أمام معظلة حقيقية تتمثل في محاربة الفساد و المفسدين.
❍ ما هي أولى وأهم التحديات التي ستواجه الحكومة القادمة؟
● من المنطقي أن نؤكد أن فوز العدالة والتنمية وترؤسها للحكومة لا يعني أنها تمتلك عصا سحرية لحل مشاكل المغرب المتراكمة منذ سنوات، وإن كانت بعض الحلول بدأت تبرز على أرض الواقع خلال العقد الأخير ولو بشكل بسيط، وهو ما يتطلب وضع استراتجيات وطنية مبنية على إمكانيات الدولة الحقيقية.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن أول تحد سيقابل الحكومة المقبلة، هو اختبار جدية البعض في تطبيق الدستور الجديد، بمعنى أصح هل سنعرف في ظل الحكومة الجديدة اندثار ما كان يعرف بحكومات الظل، هل سيتم القطع مع الممارسات التي تضعف العمل الحكومي على حساب تقوية تحركات القصر خاصة في المجالات الاجتماعية، هل سنشهد تراجعا للصناديق التي تخلق بملايير الدراهم، دون أن تكون خاضعة للرقابة الحكومية، هل سنكون فعلا أمام رئيس حكومة قادر على أن يكون رئيسا للجميع بمن فيهم الولاة والعمال، وكبار المسؤولين المدنيين والأمنيين...
إنها أسئلة موضوعة تحت رهن الاختبار، لكن ما يجعلني مطمئنا أن شرعية رئيس الحكومة المقبل هي شرعية شعبية أقرتها صناديق الاقتراع وفي حالة الاختلاف يمكن العودة إلى ذلك الحكم وهو الشعب.
وأوجه في هذا الإطار، رسالة مهمة إلى ما يصطلح عليه بالدارجة "مسامير المائدة" أطلب منهم أن ينظروا بتمعن إلى ما وقع بمصر وتونس وليبيا بالخصوص، لكي يتيقنوا أن العودة إلى الوراء بالمغرب أصبحت شيئا من الوهم، وأن الاختيار الديمقراطي للمواطنين كان حاسما من خلال الحراك الشعبي، وهي دورة زمنية عادية لا يمكن مقاومتها بناءا على الدروس التاريخية أيضا، وأن الشعب المغربي لن يقبل بعد اليوم أن تنهب أمواله وثرواته، وأن يعيش في الفقر والحرمان والتهميش مقابل حفنة من المرتزقة تستولي على خيراته، فحداري من اللعب بالنار، وبمستقبل واختيار هذا الشعب، فقد قلت دائما أن الشعب المغربي شعب كريم ومتسامح لكنه حين يثور سيكون مختلفا عن بقية الشعوب.
❍ طالبتم في تصريحات سابقة بضرورة إحداث هيئة وطنية للحقيقة وإرجاع الأموال المنهوبة، ما هو تصوركم لهذه الهيئة؟
● لقد عبرت في تصريحات سابقة على أن الدولة أخطأت حينما اختارت المصالحة مع الماضي من شقها السياسي فقط، لأن الأصل هو المصالحة مع سنوات الرصاص الاقتصادي، على اعتبار أنه انعكاس طبيعي للجرائم السياسية، فكان لا بد من المصالحة مع الماضي الاقتصادي، وجرائمه لأنه يعني عمليا المصالحة مع كل المغرب والمغاربة من خلال إعادة الثرواث المنهوبة، وتقديم المتورطين إلى القضاء، وهو ما عبرنا عنه بضرورة تفعيل هيئة مستقلة للحقيقة وإرجاع الأموال المنهوبة والتي سيكون من مهامها محاربة الفساد، ووضع الآليات اللازمة لذلك، الآليات القانونية والتحسيسية والتربوية.
ومع الأسف، فمنذ تأسيس الهيئة سنة 2002 تيقنا بأن الإرادة السياسية غائبة في هذا الموضوع، وكل الإجراءات التي اتخذت كانت مجرد شعارات قانونية الهدف منها التسويق والاستهلاك الإعلامي لا غير، وحتى آليات تطبيق الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب تم إفراغها من محتواها الحقيقي.
❍ ما تعليقكم على الإجراءات التي كانت الحكومة السابقة تقوم بها في مواجهة ناهبي المال العام؟
● قبل الحديث عن إجراءات الحكومة السابقة، لا بد من الحديث عن صلاحية تلك الحكومة الدستورية والقانونية، فالتحليل المحايد يجب أن ينطلق من الأسس القانونية المؤطرة لعمل الفريق الحكومي، وما مدى اشتغال ذلك الفريق، وفي مرحلة ثانية في اعتقادي الشخصي، وهذا رأي مجموعة كبيرة من المهتمين، فالدستور كان يركز السلط في جهة واحدة، وبالتالي لا يمكنني أن أحاسب الطرف الضعيف في المعادلة، مع التأكيد أن الأحزاب الوطنية بالمغرب كان عليها ديمقراطيا أن تهدد بتقديم استقالتها من الحكومة في حال وجود ما يعرقل عملها، على اعتبار أن الشعب المغربي يحكم بالنتائج، ولهذا وكما قلت سابقا إن أول اختبار سيكون أمام الحكومة المقبلة هو مدى استقلاليتها عن محيط القصر، وباقي الفاعلين الآخرين.
ويبقى التحدي المهم، هل سنكون أمام حكومة تدار في علاقتها مع رئيس الدولة من خلال مستشاريه، علما أن الحكومة الحالية لها شرعية شعبية قوية تمكنها من التصدي لهذه الممارسات السابقة.
❍ على ماذا ستركزون في أول مذكرة سترفعونها إلى رئيس الوزراء؟
● بعد تشكيل الحكومة المقبلة بطبيعة الحال سنوجه مذكرة الى رئيس الحكومة نذكره بمطالب الهيئة الوطنية لحماية المال العام وبالاجراءات القانونية التي نراها كفيلة بالحد من ظاهرة نهب المال العام، وهي موجودة بالمذكرة التي تقدمنا بها للرأي العام بمناسبة تعديل الدستور حيث أننا إلى جانب الاقتراحات الدستورية قدمنا تصورات خاصة بإجراءات مصاحبة قطاعية تكمل المبادئ الدستورية، كما سنبعث برسائل إلى القطاعات الوزارية نذكرها بالملفات التي مازالت عالقة ولم يتم الحسم فيها من طرف الوزراء السابقين، كما أننا بصدد إعداد تصورات جديدة حول مسألة تدبير الصفقات العمومية والأملاك التابعة للدولة، بالإضافة الى مناظرة وطنية حول إيجاد وسيلة جديدة لتدبير الجماعات المحلية باعتبارها من أهم بؤر الفساد بالمغرب، كما سنقدم لرئيس الحكومة مذكرتنا الخاصة بإصلاح القضاء باعتباره الركيزة الأساسية في عملية الاصلاح ونحن نقصد إصلاح القضاء وليس البنايات، كما سنطلب منه بتفعيل مسألة الحصول على المعلومة لكي يكون المجتمع المدني الجاد شريكا حقيقيا في عملية الإصلاح.
❍ هل ستقدمون لرئيس الوزراء جميع الوثائق والملفات المتعلقة بالنهب التبذير والاختلاس وسوء التدبير الذي مست مجموعة من القطاعات لاستجلاء الحقيقة التي يبحث عنها الشعب؟
● نحن من سيطلب من رئيس الحكومة أن يقدم لنا ما يتبث لنا تورط هؤلاء، لأن للحكومة جميع الوسائل والإمكانات، وما يمكنها من ذلك لأنها ستكون هي المسيرة والمقررة، أما دورنا كمجتمع مدني يتعلق بالتنبيه، وإيصال الملفات التي تصلنا لكي تقوم بإجراءتها القانونية والقضائية.
❍ في نظركم، ما هي الوسائل الكفيلة بالقطع مع اقتصاد الريع في المغرب؟
● المغرب دولة مخزنية في تركيبتها السياسية، منذ الاستقلال اعتمدت على شراء النخب والذمم من أجل تمرير مصالحها، والحفاظ عليها أي نحن أمام شبكة منظمة، ومتجذرة ولها وسائل كبيرة للتحرك، ولن نتنازل بسهولة عن مصالحها الاقتصادية، الوسيلة الأولى في عملية القطع مع اقتصاد الريع، هي توفر الإرادة الحكومية كي تلتقي مع الإرادة الشعبية للمغاربة، وهما إرادتان بإمكانهما هزم قلاع الفساد بالمغرب قياسا على تجارب قريبة منا، والإجراء الثاني هو إعمال القانون من خلال التخلص من كل مظاهر الريع، وفي جميع المجالات، اليوم يجب أن نكون أمام مقولة لكل مجتهد نصيب، من استطاع أن يراكم الثرواث عن طريق الشفافية والقانون مرحبا به، فلا يعقل أن يبقى الاقتصاد المغربي اقتصادا مقنعا مثل البطالة فلاقتصاد الخفي، والمشبوه أقوى في معاملاته المالية من الاقتصاد الوطني المنظم ويؤثر عليه ويضعفه ويعمق الفقر والحرمان. والإجراء الثالث والمهم السرعة في جعل القضاء فعلا سلطة حقيقية بعيدة عن التدخلات على اعتبار أن القضاء هو الملاذ والفيصل.
وختاما أتمنى التوفيق للحكومة المقبلة من خلال تطبيق برنامجها وتحقيق مطالب هيئتنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"