9/02/2013

هذه خريطة طريق الحكومة لتقوية السياسة التصديرية للاقتصاد المغربي

قال عبد القادر اعمارة، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، إن المغرب يحاول الانتقال في نموذجه التنموي من الاعتماد على الطلب الداخلي إلى نموذج آخر يقوم على الطلب الخارجي، لذلك وجب على المقاولات المغربية البحث عن أسواق جديدة غير السوق الأوروبية.

 ويستعرض وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، في حواره مع جريدة أخبار اليوم في عددها الصادر اليوم 23 غشت 2013، خطة الحكومة لدعم السياسة التصديرية للمغرب، كما يستعرض الخطوط العريضة لإستراتيجية الحكومة لتقوية التجارة الداخلية.
وفي ما يلي نص الحوار:
حاوره: خالد زهوي
بادرت الحكومة خلال الأشهر القليلة الماضية إلى اعتماد آليات جديدة لدعم المقاولات المصدّرة. هل التوجه الجديد أملاه السياق الاقتصادي بضرورة التحول نحو الطلب الخارجي؟ أم الظرفية الصعبة التي تؤثر على أداء هذا الصنف من المقاولات؟
تندرج الآليات الموضوعة لتشجيع المقاولات المصدّرة ضمن تصور عام للدولة يهدف إلى الدفع بالصادرات المغربية نحو أسواق جديدة وكذا الرفع من قيمتها. ولبلوغ هذه الغاية نشتغل على أربعة مستويات يشمل الأول تنويع العرض التصديري، والثاني الارتقاء في سلم القيمة المضافة بالتحول من المواد الخام إلى المواد نصف المصنعة ثم المواد المصنعة، والثالث تنويع أسواق المملكة المغربية التي ترتبط بالسوق الأوروبية بشكل كبير رغم تراجع حجم التبادل التجاري بين الجانبين من 75 في المائة سنة 2000 إلى 58 في المائة سنة 2012، ويهم الرابع اعتماد آليات جديدة لرفع القدرة التصديرية للمقاولة، علما أن هذه الأخيرة لم تكن تاريخيا مقاولة مصدّرة، وإذا استثنينا بعض المحطات التي كنا نصدر فيها بعض المنتجات الفلاحية، فلم تكن لدينا سياسة تصديرية.
الحاجة إلى هذه السياسة التصديرية أملاها التحول الذي يعرفه النموذج التنموي المغربي، بالانتقال من الاعتماد على الطلب الداخلي إلى نموذج آخر يعتمد على الطلب الخارجي، والذي يتأسس على مستوى القدرات التصديرية وحجمها وجودتها. لذلك ترتكز الآليات الجديدة لدعم الصادرات على الافتحاص بهدف مساعدة المقاولات المصدّرة، عبر مكاتب للدراسات، على معرفة مؤهلاتها التصديرية، وكذا على التجميع الذي يعد استجابة للمقاولات الصغرى والمتوسطة التي لا تمتلك القدرة على الذهاب إلى السوق الخارجية، ثم أخيرا عقود التنمية، وهي مستوى أعلى، إذ توفر من خلالها الدولة دعما للمقاولات التي تتوفر على برنامج طموح للتصدير نحو الأسواق الخارجية. وهذه الآليات تتكامل مع الاتفاقيات التي وقعتها وزارة الاقتصاد والمالية وصندوق الضمان المركزي مؤخرا، والتي منحت إمكانية دخول هذا الأخير كممول للمقاولات المصدرة بوصفه بنكا من البنوك. إجمالا، يمكننا القول إن المرحلة التي يوجد فيها المغرب تقتضي تقوية الطلب الخارجي، ولتقويته لا بد من تنويع ورفع حجم الصادرات، وهذا ما نشتغل عليه لننقل المقاولة الوطنية إلى مستوى المقاولة المصدّرة، ومنحها  قدرة استثنائية للذهاب نحو أسواق جديدة واستغلال الفرص التي تتيحها.
على ذكر تنويع الأسواق، نلاحظ أن المجهود الترويجي لم يرقَ بعدُ إلى مستوى طموحات المغرب الرامية إلى التموقع داخل أسواق جديدة. فباستثناء القارة الإفريقية، هناك ضعف على مستوى أسواق الخليج وآسيا وأمريكا؟
تنويع الأسواق يجب أن يصبح ثابتا استراتيجيا، وهو الأمر الذي أضحى مُسلّما به. الحاصل  أن المغرب يملك ارتباطا يكاد يكون هيكليا بالسوق الأوروبي، وحتى المقاولة المغربية دأبت على الاشتغال مع هذه السوق واكتسبت نوعا من الخبرة والمعرفة داخلها، وهو تواجد تجب المحافظة عليه مع توسيع هامشه، وفي الآن ذاته يلزمنا الذهاب نحو الأسواق الإفريقية جنوب الصحراء وأسواق الخليج والأسواق الآسيوية ثم الأسواق الأمريكية، وهو ما نعمل عليه حاليا من خلال الإجراءات التشجيعية على التصدير أولا ثم الإجراءات التسويقية أيضا. وفي هذا الصدد، حرصنا على منح بُعد استراتيجي آخر للمركز المغربي لإنعاش الصادرات (مغرب تصدير)، يتجه من خلاله نحو تخصيص اهتمام أكبر لبعض الأسواق وبشكل مهني عبر منح الأولوية للقاءات المهنية الثنائية، أو الاستدعاءات وتبادل البعثات التجارية.
إلى جانب ضعف العرض التصديري، هناك مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب، ولم يستطع لحد الساعة الاستفادة منها كما هو الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وتركيا. ما هو التوجه الذي ستعتمدونه لبعث الروح في هذه الاتفاقيات؟
هناك بعض الأسواق التي تربطنا معها اتفاقيات للتبادل الحر، والتي لم نستطع الاستفادة منها. وهنا يجب أن نعترف بأننا لم نتمكن من استغلال السوق الأمريكية رغم شساعتها وضخامتها وارتفاع قدرتها الشرائية، وبالتالي كان لزاما علينا، وهو ما التزمتُ به و باشرناه في سنة 2012، أن نشرع في إعادة تقييم هذه الاتفاقيات، إذ بدأنا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث عقدنا لقاءا أوليا أكدنا من خلاله على ضرورة إرساء نوع من التوازن في مبادلاتنا، ورفعنا تحديا مع الأمريكيين قبل الاحتفال بعشرية اتفاقية التبادل الحر، بضرورة الوصول إلى مضاعفة صادراتنا لتصل إلى 3 ملايير دولار مقارنة مع أقل من مليار دولار التي أنهينا بها سنة 2011، لتحقيق نوع من التوازن مع وارداتنا من هذا البلد والتي قاربت 3.5 مليار دولار خلال السنة ذاتها، مع محاولة جلب استثمارات أمريكية جديدة إلى المغرب، وهما أمران متلازمان، لأننا لا نمتلك قدرة تصديرية كبيرة، وبالتالي يجب الاستفادة من الإمكانيات التي تختزنها هذه الأسواق على مستوى الاستثمارات وهو الأمر الذي نسعى إلى تحقيقه.
وبالنسبة لتركيا؟
نفس الأمر الذي اتبعناه مع الولايات المتحدة نطبقه مع تركيا خلافا لما تم الإيحاء به من طرف بعض الأوساط. فعلا ليس هناك توازن في المبادلات التجارية بين البلدين، إذ نستورد من تركيا حوالي 9.5 مليار درهم، ونصدر حوالي 2.5 مليار درهم، وعلى مستوى الاستثمارات سنجد بأن استثمارات هذا البلد لم تتجاوز سنة 2012 ما قيمته 34 مليون درهم.  
طرحنا الأمر مع الجانب التركي وأكدنا على أن المجال الاقتصادي بين الطرفين يجب أن يكون مبنيا على الحوار الاستراتيجي. بمعنى هل ترغب تركيا في أن يشكل المغرب أرضية من بين الأرضيات التي تنطلق منها نحو أسواق أخرى أم لا؟ وإذا تم حل الإشكال الاستراتيجي، فإن الإشكالات الأخرى ستجد طريقها إلى الحل. وعليه، ورغم القيام بعدة إجراءات، لا يمكن تجاوز الفارق الذي يوجد بيننا في الأفق المنظور.
ضمن هذا الإطار، أتى تشكيل المجلس الاستراتيجي المغربي التركي، وأنطنا به عددا من القضايا الاقتصادية، وأعطى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تعليمات مباشرة على أن تسعى الحكومة التركية إلى إرساء التوازن في مبادلاتنا التجارية وأن تجلب الاستثمارات التركية إلى المغرب. وسنحاول أن نجسد هذا التوجه على أرض الواقع من خلال الزيارة التي سيقوم بها الاتحاد العام لمقاولات المغرب نحو تركيا خلال الأشهر المقبلة.
هل سيشمل هذا التقييم اتفاقية أكادير؟
عدم المبادرة إلى تقييم هذه الاتفاقية أملتها الظروف التي تعيشها مصر وتونس، والتي لا تسمح بالقيام بذلك. المغرب طالب بعقد اجتماع لهذا الغرض لمرتين، لكن عقدَه تعذر نظرا للظروف الراهنة، وحتى ظروف الأردن لا تسمح بعقد هذا الاجتماع. إجمالا يمكننا القول إن هناك توجها للدفع نحو الاستفادة من الاتفاقيات التجارية القائمة، والاشتغال على أسواق جديدة من قبيل إفريقيا جنوب الصحراء على اعتبار تواجد مقاولاتنا بهذه المنطقة، زيادة على الجانب القانوني عبر تسريع الاتفاق التجاري والاستثماري مع الاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب إفريقيا وهو الذي حركناه خلال السنة الجارية بشكل كبير من خلال الزيارات التي قام بها المسؤولون المغاربة وكذلك زيارة جلالة الملك إلى بعض دول القارة الإفريقية.
إذن سنقف مستقبلا على استثمارات إضافية من الجانب التركي والأمريكي ؟
سنحاول القيام بذلك. وهنا أود أن أشير إلى أن سنة 2012 كانت سنة استثنائية على مستوى جلب الاستثمارات الخارجية رغم الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الدولي، إذ انتقلت قيمتها إلى 32 مليار درهم مقارنة مع حوالي 26 مليار درهم سنة 2011. وبالتالي استطاع المغرب أن يكون الدولة الإفريقية الثانية على مستوى جلب الاستثمارات. وخلال السنة الجارية، وهذا مؤشر جيد، استطاعت الصناعة المغربية أن تحتل مقدمة القطاعات المستقطِبة للاستثمارات، متفوقة لأول مرة على العقار والسياحة، وهو ما يعني أن الاقتصاد الوطني يتجه نحو الهيكلة الإنتاجية.
أين وصلت مفاوضات اتفاقية التبادل الحر مع كندا؟
نحن عازمون على توقيع هذه الاتفاقية، لكن مازالت هناك بعض نقط التباعد بيننا وبين الكنديين، والتي طلبنا فيها توضيحات من الجانب الكندي، والأمر ذاته فعلته كندا،  حيث أخر مسلسل تقديم التوضيحات والرد عليها انعقادَ الجولة الرابعة من المفاوضات. وخلال زيارتي الأخيرة لكندا والتي حظيت خلالها بلقاء المفاوض الكندي الذي يشغل منصب وزير الفلاحة، أكدنا كحكومة أننا عازمون على إتمام هذا الاتفاق لكن ليس بأي شكل، لأن المغرب أخذ تجربة في التفاوض على هذا النوع من الاتفاقيات، وبالتالي يجب أن تكون هذه الاتفاقية متوازنة لكي يستفيد الاقتصاد الوطني، وأعتقد أننا سنسير في اتجاه التوقيع، لأن كندا تشكل أرضية مناسبة تفتقر إليها المقاولات المغربية لولوج السوق الأمريكي. وأعتقد أننا سنعقد الجولة الرابعة من المفاوضات خلال الفصل الأخير من السنة الجارية في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، والتحكيم حول بعض النقط الخلافية من طرف الوزراء المعنيين ورئيس الحكومة.
ما هي هذه النقط الخلافية؟
هناك نقطة تتعلق بالمساعدة التقنية، وملف آخر يرتبط ببعض جوانب المجال الفلاحي، خاصة على مستوى ما يسمى باللوائح، وهناك قضية التقسيم الترابي لأننا نتفاوض مع كندا كفدرالية، ويجب أن نتأكد من أن ذلك سينعكس على مستوى الولايات، زيادة على نقاش عام حول بعض الأمور التي نتوفر فيها على طلبات خاصة من قبيل النقل المباشر والتسهيلات الجمركية. لكن هذه النقط الخلافية ليست بالأمور الصعبة، ويجب أن يقع حولها نوع من التوافق وأيضا التوفيق بين الرغبة الكندية في تسريع توقيع الاتفاقية والرغبة المغربية في أن يكون هناك توازن في الاتفاقية.
هل يمكنك تحديد أجل زمني ليكون هذا الاتفاق جاهزا؟ ومتى سيتم التوقيع عليه؟
أظن أننا إذا استطعنا عقد الجولة الرابعة في الفصل الأخير من السنة الجارية، فإن هذه الجولة ستحسم العديد من القضايا، وسيتبقى حينها وضع الصيغة النهائية للاتفاقية وتحديد موعد التوقيع.
بلغ العجز التجاري مستويات قياسية خلال السنة الماضية. ما هي أسباب هذا التفاقم؟ وما السبيل لوقف هذا النزيف؟
نتحدث عن العجز التجاري كما لو أنه وليد اليوم، وبالتالي تظل المقاربة السليمة لتناول هذا العجز هي المقاربة الهيكلية. قيمة هذا العجز انتقلت من حوالي 40 مليار درهم سنة 2000 إلى حوالي 200 مليار درهم سنة 2012، وهذا العجز هو مرآة عاكسة للاقتصاد الوطني، وله أسباب متعددة، أولها أن المغرب بلد منفتح اقتصاديا ويسجل أعلى نسب الانفتاح على مستوى الاقتصاد الجهوي، والسبب الثاني هو محدودية القدرة التصديرية للمغرب لافتقاره إلى سياسة عمومية تهدف إلى جعله دولة تصديرية، والسبب الثالث، هو الارتباط ببعض المواد التي لا يستطيع المغرب الاستغناء عنها، من قبيل الطاقة، التي تستحوذ على حصة تصل 96 في المائة من هذا العجز، وبالتالي فهو يتحرك مع الطاقة صعودا وهبوطا.
عندما نحاول تفصيل مبلغ 200 مليار درهم، التي بلغها عجز الميزان التجاري، نجد أن 100 مليار درهم منها ترتبط بالواردات الطاقية، ولا تستطيع أي حكومة  سواء الحالية أو المستقبلية، أن تتجاوز إشكالية استيراد الطاقة. زيادة على ارتفاع واردات بعض المواد الأساسية، التي يحتاجها المغرب لأوراشه، من قبيل مواد التجهيز أو المواد نصف المصنعة، وهي ما تجعلنا نسجل عجزا هيكليا.
إذن ما السبيل إلى تجاوز هذا العجز الهيكلي، أو على الأقل التخفيف من حدته؟
المقاربة التصحيحية هي مقاربة هيكلية تشتمل على ثلاثة مستويات ليس أكثر، الأول هو تنويع العرض التصديري والرفع من القيمة المضافة للصادرات الوطنية، والثاني هو الرفع من القدرات التصديرية للمقاولات وهو عمل دؤوب يلزمه وقت لتشكيل أقطاب في مجال التصدير. والمستوى الثالث هو تنويع الأسواق، وهناك مستوى رابع إضافي يطرحه المجتمع المدني وهو ما نسميه بالاستيراد البديل، وهو ما يجب الاشتغال عليه لأنه مرتبط بدينامية المقاولة المغربية في إنتاج مواد ذات جودة عالية. (مثلا تشجيع تصنيع بعض المنتوجات الحليبية أو العطور بدل استيراد مواد من قبيل الجبن الذي ارتفعت قيمة وارداته إلى 500 مليون درهم). لكن ما يجب التأكيد عليه، أن الحكومة لا يمكنها أن تقول: لا يجب أن تستهلكوا إلا ما هو مغربي، لأن هذا الأمر يعارض مقتضيات التجارة العالمية، وليس له أي معنى لأن المغرب يرغب في دخول أسواق أخرى، وبالتالي لا يمكن إقفال السوق المغربي في وجه المنتجات الخارجية.

لكن هناك تحول خلال النصف الأول من السنة، إذ يتجه هذا العجز إلى الانخفاض مقارنة مع سنة 2012. ما السبب في ذلك؟

ما يقع كتحول في هذا الفصل الأول من سنة 2013 هو تراجع حاجتنا إلى الطاقة، وبالمقابل ارتفعت صادرات بعض القطاعات، والتي تعزز الفكرة التي أطرحها، من قبيل قطاع السيارات الذي نما بنسبة 15 في المائة خلال النصف الأول من السنة، وداخله نجد أن قطاع الكابلات تطور بنسبة 3 في المائة، والسيارات بنسبة 56 في المائة. أيضا صناعة الطيران نمت بنسبة 25.6 في المائة، والصناعة الصيدلية بـ 7.7 في المائة، والإلكترونيك بـ 9.1 في المائة، وهذه هي القطاعات هي التي نجدها ضمن الاستراتيجيات القطاعية، وهي المعول عليها في السنوات المقبلة لكي تعيد التوازن إلى الميزان التجاري. وفي هذا الصدد،
عندما نعود إلى النشرات الإحصائية لمكتب الصرف نلاحظ أن نسبة تغطية الصادرات بالواردات تصل إلى 49 في المائة، لكن هناك رقم أكثر دلالة وهو نسبة التغطية خارج الطاقة، والتي تصل إلى 69 في المائة.
أعلن رئيس الحكومة خلال المناظرة الأخيرة للصادرات عن إنشاء لجنة وزارية لمعالجة إشكالية العجز.هل أنشئت هذه اللجنة أم لا؟ وما هي المواضيع التي انكبت على دراستها؟
بالفعل التزم رئيس الحكومة بإحداث هذه اللجنة. والآن نتوفر على لجنة تأسست بشراكة مع الاتحاد العام  لمقاولات المغرب والحكومة، ويترأسها من جانب الحكومة وزير التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة ومن جانب الاتحاد أحد نواب الرئيسة، وأطلقنا عليها اسم "لجنة المحيط الخارجي للمقاولة الوطنية"، والتي تعنى بمجال التجارة الخارجية وبالقدرات التصديرية للمقاولة وقدرتها على المنافسة، وتعنى كذلك بشق اتفاقيات التبادل الحر، وتنويع الأسواق، ولحد الساعة عقدت حوالي ثلاثة اجتماعات، وبدأنا نتطرق عبرها إلى بعض الملفات من قبيل دراسة اتفاق التبادل الحر الشامل والعميق مع الاتحاد الأوروبي وانعكاساته على الاقتصاد الوطني.
بالعودة إلى الاستراتيجيات القطاعية. هل يمكن الحديث عن مصنع سيارات جديد يرتقب استقطابه للاستثمار في المغرب؟
كوزارة نشتغل على جلب مصنع ثان، لكن ما أريد أن أؤكد عليه، أن جلب مستثمر ثان ليس بالعملية السهلة أو القصيرة في الزمن. استثمار رونو مثلا انطلق قبل حوالي 9 أو 10 سنوات، بمعنى أن الأمر يتعلق بمسلسل طويل، وهذا أحد إيجابيات المملكة، أي أن هناك استقرارا في السياسات العامة، وعمل يفضي إلى آخر. حاليا نعمل على العديد من الفرص مع مجموعة من الشركات الدولية. ما أستطيع قوله، أننا نشتغل على شركتين في آسيا وأخرى في أمريكا، ومن الوارد أن تكون هناك شركة أوروبية. لكن مستوى التقدم يختلف من شركة إلى أخرى، إذ أن هناك شركات أبدت اهتمامها، وأخرى شرعنا معها في تقديم الطرح، وهناك شركات أخرى تبحث عن مكاتب دراسات تنجز بحوثا لصالحها.
إجمالا، نشتغل على 3 إلى 4 فرص، وهذا يستلزم وقتا وجهدا وتركيزا وسرية أمام المنافسة التي تطبع القطاع. وبالتالي هناك عمل وله مدى زمني معين، وأنا اعتقد أنه في حدود السنتين ستظهر ما هي الفرصة الأكثر احتمالا للتحقق والنجاح، وبعدها تنطلق عملية كبيرة تشمل تقديم العروض والمناقشات التفصيلية، من قبيل أين سيكون موقع المشروع وماذا بإمكان الدولة أن تمنحه كتحفيزات.
القطاع الخدماتي شكل أحد القطاعات الأكثر خلقا لفرص الشغل خلال السنوات الخمس الأخيرة، حوالي 85 ألف منصب، لكنه خلال السنة الجارية سجل تراجعا كبيرا ولم يحدث سوى 5 آلاف منصب. ما هي أسباب هذا التراجع؟ وهل هي ظرفية يمكن بعدها الوقوف على عودة الانتعاشة إلى القطاع؟
بشكل عام، أخذ القطاع الخدماتي حجما كبيرا داخل الاقتصاد الوطني، وكانت له قدرة كبيرة على إحداث مناصب شغل مهمة، ومنح إمكانيات كبيرة للمقاولات الصغرى والمتوسطة لكي تنشط داخله. لا خلاف أن الأزمة الاقتصادية العالمية كان لها أثر على عدد من القطاعات بما فيها القطاع الخدماتي، سواء في مجال السياحة والفندقة والمطاعم وفي بعض الخدمات التكنولوجية المرتبطة بقطاع ترحيل الخدمات، وبالتالي يمكن القول أنه أحد القطاعات التي تأثرت بالأزمة الدولية. لكن ما يجب التنبيه إليه أنه أحد القطاعات التي تمتلك القدرة على العودة إلى نشاطها، والدليل على ذلك عودة النمو إلى القطاع السياحي وكذا على مستوى التجارة بشكل عام، وهي قطاعات تحدث مناصب شغل كبيرة، فعلى مستوى التجارة والتوزيع فإننا نتكلم عن 1.4 مليون منصب شغل، ونسبة نمو تتراوح بين 6 إلى 7 في المائة سنويا.
لا نتكلم كثيرا عن قطاع التجارة الداخلية رغم أهميته. أين وصل تنفيذ برنامج رواج وتأهيل أسواق الجملة؟
قطاع التجارة الداخلية هو أحد القطاعات المهمة لكنه لم ينل حظه من السياسات الحكومية. فهنا نتحدث عن قطاع يحقق رقم معاملات بقيمة 350 مليون درهم ويعرف تطورا سريعا في مكوناته، مثلا قطاع العلامات يعرف نموا يتراوح بين 17 إلى 18 في المائة سنويا. كما يعتبر أول مشغل على المستوى الحضري لكنه لا ينتظم في إطار استراتيجية، وفي هذا الصدد أفضت الدراسات التي أنجزناها إلى وضع خارطة طريق عرضت في المجلس الحكومي، على أساس أن تتم مناقشتها وأن تتم التعبئة حولها من طرف جميع الوزارات علما أن هذا القطاع يعرف تدخل عدد من المتدخلين من قبيل وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة والسكنى والتعمير ناهيك عن الجماعات المحلية والسلطات العمومية.
ماهي محاور هذه الاستراتيجية؟
يتعلق المحور الأول بعصرنة تجارة القرب لتمكين البقالين الذين يمثلون حوالي 99 في المائة من نقط البيع، من تأهيل تجارتهم بهدف مواجهة منافسة العلامات التجارية الكبرى. وفي هذا الإطار، فقد أعددنا مشروعا في هذا الاتجاه مكننا سنة 2012 من تأهيل وعصرنة 22 ألف نقطة بيع، والتي كان لها وقع إيجابي على مجال الاستثمار وإحداث مناصب الشغل، لكن إشكالية هذا المحور ترتبط بارتفاع عدد نقط البيع الرسمية والذي يتجاوز 450 ألف نقطة، إذ ليس هناك مجال للحديث على أن الدولة بإمكانها عصرنة كافة هذه النقط، وبالتالي اعتمدنا توجها جديدا يرتكز على توفير بديل تمويلي على شكل قروض وعلامة تجارية بهدف تشجيع تجارة القرب على الانخراط في دينامية العصرنة.
المحور الثاني هو الباعة المتجولون، ويتعلق الأمر هنا بحوالي 260 ألف بائع متجول على الصعيد الحضري، وقطاع يحقق رقم معاملات بقيمة 45 مليار درهم، وأصبح ظاهرة اجتماعية لا يمكننا تجاوزها، لذلك وضعنا خارطة طريق في المجال تقترح ثلاثة بدائل بالاشتغال مع وزارة الداخلية والجماعات المحلية، لكي نتمكن من إيجاد حلول لهذه الشريحة غير الحلول الزجرية. وأهم هذه الحلول هي الأسواق الحضرية، وفي هذا الإطار فإننا نشتغل على تجربة القنيطرة، ويجب أن نعترف أنه ليس من السهل أن  تنطلق هذه التجربة، وهذا دليل على أن هذا القطاع يعرف متدخلين كثر وفيه إشكاليات متعددة. وبالنسبة إلينا يجب أن تنجح تجربة القنيطرة لكي نعممها على باقي المدن المغربية.
وبالنسبة لباقي مكونات الاستراتيجية؟
هناك الشق الثالث الذي يرتبط بتأهيل وعصرنة أسواق الجملة، وهنا لدينا خارطة طريق، حيث قررنا أن نؤهل سوقا تلوى الآخر. انطلقنا من مدينة بركان حيث وقعنا اتفاقية تجمع الوزارة بوزارة الفلاحة وبالجهة وبصندوق الإيداع والتدبير. لدينا تصور متكامل لهذه الأسواق كي تصبح عصرية وتقطع مع مشكل الوكلاء. ويتعلق الشق الرابع من استراتيجية التجارة الداخلية بالرعاية الاجتماعية، إذ أثبت التجارب السابقة فشلها، وما نقترحه اليوم على التجار وناقشناه مع النقابات، هو تأسيس مؤسسة للأعمال الاجتماعية تتكلف في البداية بالجانب الصحي، على أن يعمم تدخلها ليشمل خدمات أخرى من بينها التقاعد والسكن.
وحسب تقديراتنا فإن حوالي 100 ألف تاجر، سيحظون عبر المؤسسة الجديدة، بمنتوج جيد على مستوى الخدمات الصحية وسلّة علاجات واسعة، وكلما اتسع وعاء المنخرطين انخفض مستوى اشتراكاتهم. وفي هذا الصدد، هناك مشكل يرتبط بالتزام هؤلاء التجار بدفع أقساط الانخراط، وسنحاول هنا ربطه مع أداء الضريبة المهنية لكي نخلق التوازن المالي الكفيل بضمان استمرارية هذا النظام، لأن إحدى أسباب فشل "عناية" و"الضمان الحرفي" هو عدم التزام التجار بدفع قيمة الانخراطات.
وهناك شق خامس يرتبط بالتعمير التجاري، فقد طرحنا خارطة طريق سيتم التفاهم حولها مع وزارة السكنى والتعمير ووزارة الداخلية والجماعات المحلية وتشكيل لجنة على المستوى الجهوي لتتكفل بتحديد الاحتياجات.
أعلنت الجمعية المغربية للنسيج والألبسة خلال جمعها العام الانتخابي عن قرب توقيع عقد برنامج "نسيج 2025" وحددت موعدا لذلك شهر رمضان. لحد الساعة لم يتم توقيع العقد البرنامج. ماهي أسباب هذا التأخير؟
نشتغل في تفاهم تام مع الجمعية المغربية للنسيج والألبسة وخصصتُ وقتا كبيرا لهذا المخطط وترأستُ شخصيا عددا من الاجتماعات في الموضوع. المنطلق كان هو الدراسة الاستراتيجية التي أنجزناها وموّلتها وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة وأفضت إلى ما يمكن أن نسميه بأرضية العقد البرنامج. التصور الذي لدينا داخل الوزارة وأُلحُّ عليه، هو أن العقد البرنامج يكون تفصيليا ولا يمكن أن نضع فيه إلا الأمور التي نتفق على إمكانية الوفاء بها سواء من جانبنا كدولة أو من جانب المهنيين، و بالتالي لا يمكنني القيام بعدد من الإجراءات أعلم مسبقا عدم قابليتها للإنجاز. وهذا التوجه يشكل قطيعة مع بعض التصرفات السابقة والتي أدت إلى توقيع مجموعة من الاتفاقيات لم تكن تتضمن إجراءات ومضامين حقيقية.
الآن نشتغل على الأمر، بحيث نعقد اجتماعات تكاد تكون أسبوعية لوضع هذه الإجراءات بشكل تفصيلي وتضمينها في العقد البرنامج، الذي يرتبط في شق منه، بنا كوزارة، لكوننا نقود العملية، وهناك شق يرتبط بأقسام وزارية أخرى كوزارة الاقتصاد والمالية ووزارة التشغيل والتكوين المهني ووزارة التعليم العالي والداخلية. ما يمكنني التأكيد عليه، أن العمل وصل إلى أشواط متقدمة، وكانت هناك رغبة من المهنيين أن تتم هذه الأمور قبل انتخابات الجمعية، لكن ذلك وبكل صراحة، لم يكن ممكنا، وأنا أعطيت تعليمات واضحة: لا يمكن أن تكون هناك عقود برامج متسرعة لأنها تلزم الدولة وتعلن للعموم وتعطى فيها أرقام ونحاسب عليها بعد ذلك، وبالتالي يجب أن تكون هناك إجراءات واضحة، يقع عليها اتفاق.
ستصل استراتيجية المغرب الرقمي إلى نهايتها بمتم سنة 2013. أين وصل تنفيذ هذه الاستراتيجية؟
إجمالا، وكما أعلنت مسبقا خلال المنتدى الدولي للاقتصاد الرقمي، أن المخطط وصل إلى تنفيذ 40 في المائة من أهدافه، وهذه النسبة ستتغير بنهاية السنة ويمكن أن تصل إلى 55 أو 60 في المائة. أما التقييم التفصيلي للمخطط، فشرعنا فيه مع إحدى مكاتب الدراسات، وهو ما سيمكننا من تحديد المحاور التي تقدمنا فيها والمحاور التي لم نتقدم فيها أو الإجراءات التي لم نقم بها. كما سنستفيد من التقييمات التي ستنجز على مستوى بعض المؤسسات الدستورية خاصة المجلس الأعلى للحسابات، وبالتالي سيسمح لنا تجميع هذه المعطيات، بتقديم حصيلة هذه الاستراتيجية للرأي العام وتقديم مقترح خارطة طريق أخرى.
ماهي مرتكزات الاستراتيجية الجديدة؟
الأكيد أن تجربتنا في المغرب الرقمي 2013، أكدت لنا الحاجة إلى خارطة طريق جديدة، سنركز عبرها على التوسيع الجهوي للمغرب الرقمي، وفي هذا الإطار سنحتفظ ببعض محاور الاستراتيجية الحالية من قبيل التحول الاجتماعي المرتبط بالمدارس والجامعات والكليات، والمحور المرتبط بالصناعة الرقمية. لكن الفكرة الأساسية التي ستتمحور حولها الاستراتيجية الجديدة، هي الإدارة الإلكترونية التي ستصير القاطرة التي تجر المغرب الرقمي، أمام الطلبية العمومية التي سيحظى بها المجال، وعبر هيأة أفقية ستشرف على الإدارة الإلكترونية في المغرب، الأمر الذي سيمكن من خلق فرص للصناعة للرقمية وسيضع أمام المواطن عددا من الخدمات على الخط لكي نسرع اشتغال الإدارة، وهو أمر ستكون له آثار إيجابية على  مؤشراتنا على المستوى الدولي، وعلى صعيد الصناعة الرقمية وعلى استفادة المواطن من الخدمات، وبالتالي رفع مستويات النفاذ داخل المجتمع المغربي.
ظل مناخ الأعمال أحد النقط السوداء في إستراتيجية الإقلاع الصناعي، إذ لم تتمكن مؤشراته من الإقلاع. ما السبب في ذلك؟
في الحقيقة تراجعنا في تصيف دوينغ بيزنس للسنة الجارية إلى الصف 97 مقارنة مع الرتبة 94 سنة 2012. لكننا أعطينا الأولوية في إطار اللجنة الوطنية التي يرأسها رئيس الحكومة لعدد من الأوراش، والورش الذي سيكون له أثر واشتغلنا عليه في سنة 2013، هو تبسيط المساطر الإدارية، إذ عملنا على تبسيط حوالي 65 في المائة من المساطر الإدارية التي كان مقررا تبسيطها، وهو ما سيكون له انعكاس إيجابي على تصنيف دوينغ بزنس لسنة 2014. هناك شق آخر يرتبط بالإطار القانوني للأعمال، خاصة الحصول على الشهادة السلبية والشهادة الضريبية، والتي اتخذت فيها إجراءات سيكون لها وقع على تصنيف دوينغ بزنس.  إلى جانب مجموعة من المراسيم التي تمت المصادقة عليها في مجلس الحكومة والمتعلقة بالجانب العقاري، والتي ستشكل نقلة نوعية في المجال.
هناك أيضا مجموعة من الملفات تتعلق بالشركات المساهِمة، وتبسيط أداء الضرائب على الشركات، ومشروع إحداث المقاولة على الخط، والذي يوجد في مراحله الأخيرة، وميثاق الاستثمار الذي أنهينا تقريبا نسخته النهائية حيث سيكون جاهزا قبل متم 2013. كل هذه الخطوات ستؤهلنا إلى تحسين تصنيفنا في مؤشر "دوينغ بزنيس" ليرتقي إلى أقل من الرتبة 90.
صرحتَ سابقا أنه في زمن الأزمة لا يمكن استقطاب استثمارات كبرى إلى المغرب. هل هذا يعني أن المغرب لن يستقطب استثمارات جديدة إلى حين انقضاء الأزمة؟
عندما ذكرت الاستثمارات الكبرى، كنت أتحدث حينها عن قطاع السيارات الذي يعاني من الأزمة. لكن عدا ذلك، فالمغرب استقطب سنة 2012 استثمارات بقيمة 32 مليار درهم والمنحى الذي نسجله في الفصل الأول من سنة 2013 هو منحى تصاعدي ونسبة النمو في 2013 تتجاوز 20 في المائة.
في مجال السيارات يصعب الحديث على استقطاب استثمارات كبيرة لأن مصنع السيارات لا يقرر بين عشية وضحاها الاستثمار في مشروع جديد، إذ لا بد من دراسة السوق والتموقع الاستراتيجي ودراسة التحولات، وتنضاف إلى ذلك، الأزمة التي يتخبط فيها القطاع، وانحداره الكبير في أوروبا.

ارتفاع قيمة الاستثمارات الأجنبية يرتبط أساسا بتركيزنا على المقاولات الصغرى والمتوسطة، وهو الأمر الذي يفسر نمو الاستثمارات وارتفاعها أيضا سنة 2013، والدليل على ذلك، تدشين عدد من المشاريع خلال السنة الماضية والحالية تذهب قيمتها من 15 إلى 20 مليون أورو، ولها قيمة مضافة على مستوى نقل التقنية، وتوطين البحث والتنمية، وكذلك توطين الابتكار. وإجمالا، نشتغل على خرائط طريق على المستوى البعيد والمتوسط فيما يخص الاستثمارات الكبرى، ولكن نشتغل بالمقابل على جلب المقاولات الصغرى والمتوسطة لتأثيث المشهد الصناعي الوطني في مجال صناعة السيارات وصناعة الطيران ومجال الإلكترونيك، وإيجابية هذه الاستثمارات هي أنها محدثة للشغل وناقلة للتكنولوجيا والبحث والتنمية والابتكار الذي نحن في حاجة إليه لاقتصاد المعرفة غدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نشر تعليق يلزم فقط صاحبه فيما يخص واجب احترام القانون وقواعد المحتوى الخاصة ب "بلوغر"